وتهتز القصيدة بالحركة عندما يدخل إليها الملاحون، ومهنتهم قريبة من مهنة الشاعر والفنان المتجول. إنهم يعودون أيضا إلى الميناء؛ إلى المدينة البعيدة. ومع أن العودة مقرونة بالفرح وتألق الضياء، إلا أن القلب لا يخطئ نغمة الألم المكتوم في كلمة الأصدقاء، لا لأن الشاعر سيسأل بعدها مباشرة سؤاله الأول والأخير الذي يعذب حياته: «لكن إلى أين أذهب؟»، بل لأن الصداقة بالقياس إليه - وهو الباحث الذي لا يهدأ عن المطلق - لم تكن في يوم من الأيام ولن تكون سوى فترة عابرة أو جزيرة منعزلة في خضم وحدته.
والشاعر لا يصرخ وهو يسأل سؤاله: «لكن إلى أين أذهب؟»، بل يهمس به في حياء وسكون. ويوشك السؤال أن يتوه في عالم يتقلب بين تعب العاملين وفرحتهم باللقاء، ورضاهم عن نصيبهم من الأجر والجزاء.
وسؤال الشاعر - على خلاف الرومانتيكيين من بعده - تمتزج فيه الشكوى بالإباء. فهو لا يتلذذ بجراحه ولا يستسلم لعذابه، بل سرعان ما يرفع بصره عنه ليتطلع إلى البريق الذي يشع من حوله، في ألق الربيع وازدهار الورود وألوان السحب الأرجوانية.
وتتضح الحدود الفاصلة بين الفكر والشعر؛ فالفكر يهيئ السؤال ولكنه يعجز عن الجواب المقنع، والشعر يخلق واقعه ولكنه يتجاوز السؤال إلى بعد آخر مختلف:
في السماء يزدهر الربيع عند المساء.
أي يحاول أن يقدم الجواب الشعري على السؤال الذي يعذب المطارد الوحيد. ومع ذلك فإن الواقع الآخر الذي يخلقه ليس إلا المظهر الساحر الذي «يبدو» للعين أو النور الذي لا يدري الشاعر كنهه ولا تستطيع عينه أن تتغلغل فيه:
العالم الذهبي يبدو هادئا.
وسرعان ما يتخفى السر مع أول رغبة حمقاء .. وتتحول اللغة إلى الاتزان والعقل، ويعترف الشاعر بكل آلامه:
ينتشر الظلام وأظل وحيدا،
كما كنت دائما تحت السماء.
Bog aan la aqoon