170

Hobbit Wa Falsafa

الهوبيت والفلسفة: حين تفقد الأقزام والساحر وتضل الطريق

Noocyada

1

اقرأ بحس من البراءة، وستجد أن الفاصل الذي في الجملة يبدو وكأنه يعد بحكاية تقليدية من نوعية «في يوم من الأيام»، مشيرا بشكل ضمني إلى أنه ما علينا إلا أن نضطجع في مقاعدنا ونستمتع بقصة مرحة ومسلية.

ولكن اقرأ بما يتوافق مع ما نعرفه عن بيلبو - من أن الخاتم يبدأ في استنزافه، وأن «واحدا من الباجنز» يصير هدفا لمطاردة منظمة في «سيد الخواتم» - وستجد الفاصل أكثر قتامة ومدعاة للتشاؤم، فيبدو أنه يتساءل إن كان بيلبو قد فاز بأي شيء حقا في النهاية. فمغامراته تكلفه براءته، وربما قادته إلى حياة أكثر كآبة واضطرابا من تلك التي كان سيعيشها لو كان قد أغلق بابه أمام أولئك الأقزام بينما كانت الفرصة لا تزال متاحة له.

إذن فوضع أحد الأسئلة التي تطرحها «الهوبيت» في سياق فلسفي هو الطريق لفهم البراءة في ضوء الخبرة المكتسبة لاحقا. إن العنوان الفرعي الذي يحمله الكتاب هو «ذهابا وعودة»، ولكن الأمر يستحق أن نتساءل إن كان بيلبو - على الأقل ذلك الشخص الذي كان في غاية القلق من ألا يجد أطباقا نظيفة في صباح ذلك التجمع غير المتوقع - يعود حقا من مغامراته. إن بيلبو يفعل الصواب من منظور الفطرة السليمة.

أما من منظور نفسه، فنجد أن قرار بيلبو بخوض المجازفة يكلفه الكثير من السعادة التي كان يعرفها؛ فهو يتخذ اختيارا في الصباح بالانطلاق مع الأقزام، وعلى كل الخير اللاحق الذي يجلبه اختياره لجيرانه الأبرياء والمكروهين أحيانا، فإنه يجلب عليه كارثة شخصية تكفي لأن تحتم علينا التساؤل عما إذا كانت قصصه وكنزه يكفيان كتعويض. بعبارة أخرى، إن بيلبو يقايض على براءته مقابل كل خبراته اللاحقة، ولكنها صفقة أحادية الاتجاه؛ فليس بوسعه معرفة البنود التي يوافق عليها قبل أن يتمم المبادلة، ولا يمكنه الرجوع فيها طالما قد بدأ. (1) الذهاب ولكن دون عودة مطلقة

كان شعراء الرومانسية الإنجليز في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر يعتقدون أننا لا يمكننا أن نفهم بشكل صحيح ما عاصرناه من خبرات إلى أن نمعن التفكير فيه في ضوء البراءة التي كلفنا إياها: فذهب ويليام وردزوورث (1770-1850) إلى أن الشعر الحقيقي هو نتاج «المشاعر المسترجعة وسط الهدوء.» مثلما كتب في تمهيد «القصائد الغنائية»؛ التي تعد بشكل أساسي أيقونة الحركة الرومانسية؛ إذ كانت مصدر العديد من «أعظم الأعمال الناجحة» في هذا العصر؛ فالشعر ليس تجربة بقدر ما هو استرجاع لتجربة. يمكن أن يكون هذا الاسترجاع تجديديا - إذ يمكن أن يعيدنا إلى التجربة الأصلية - أو قد يؤدي بنا إلى شعور بابتعادنا عن ماهيتنا التي كنا عليها.

كان وردزوورث في غاية التحمس إزاء العملية، حتى إنه طرح ما يشبه وصفة لكتابة الشعر، مشجعا الشعراء المبتدئين على محاولة إعادة معايشة الأشياء التي حركتهم وأثرت فيهم حتى استطاعوا أن يكتبوا عنها، فكتب يقول: «تظل العاطفة موضع تأمل وتفكير إلى أن يبدأ الهدوء، بواسطة نوع من ردة الفعل، في التلاشي تدريجيا، وتبدأ عاطفة أخرى، قريبة لتلك التي كانت موضع التأمل قبل ذلك، في النشوء تدريجيا، وتصنع لها وجودا فعليا في العقل.»

2

قد يستغرق الأمر قليلا من الوقت لكشف غموض كل هذا، ولكن الخلاصة أن وردزوورث ومعاصريه من شعراء الرومانسية كانوا مهتمين بمدى ما طرأ عليهم من تغيير باعتباره نتيجة لما مروا به. بعض من أشعارهم أخذهم إلى الماضي؛ مما أتاح لهم الشعور مجددا بما كانوا يشعرون به في شبابهم، غير أن الكثير منها كانت تقيس حجم الخسارة التي شعروا بها خلال تحولهم مما كانوا عليه من صبا إلى ما صاروا عليه من رجولة. وفي أغلب الأحيان كان الحزن يتفوق على الاحتفاء، وفشلوا في تحقيق أمنية العودة إلى حالة من البراءة النسبية. بعبارة أخرى، كانوا غالبا ما يتساءلون إذا ما كان النضج ليس نوعا من الجرح لم يستطيعوا أن يبرءوا منه.

تأمل ، على سبيل المثال، «أبيات كتبت في مطلع الربيع»، إحدى قصائد مجلد «قصائد غنائية» التي يتذكر فيها وردزوورث جدولا صغيرا يقع خارج قرية ألفورد. من خلال التأمل في مدى التغير الذي حدث للمكان خلال العقود منذ كان يعيش هناك في طفولته، قارن الشاعر تجربته مع الطبيعة بالأشياء التي تعلمها:

Bog aan la aqoon