تلك هي القصيدة، وهي في جملتها سهلة سائغة بارئة من التكلف والافتعال، وتعتمد البساطة والمراوحة بين الإثارة والتفجع والسرد القصصي، ولتعدد الوسائل الفنية فيها كانت حقيقة بالوقوف عندها، وقد خلت من زخارف الصور حتى كأنها في بعض أجزائها قطعة نثرية بسيطة وكأنها لالتزامها الواقع أحيانا " فقرة " تاريخية لا قصيدة.
ويجيء استيلاء الكنبيطور على بلنسية (٤٨٧ - ٤٩٥) ثالثا بين النكبات العدوانية التي منيت بها الأندلس. وقد أثارت هذه الحادثة مواطن بلنسية أبا عبد الله بن علقمة الصدفي (- ٥٠٩) فدونها في تاريخ خاص، سماه " البيان الواضح في الملم الفادح " كتبه الناس عنه، وأفاد منه ابن الأبار في التكملة (١)، وابن عذاري في البيان المغرب.
ولما استولى السيد على بلنسية، أحرق بعض الأشخاص من أهلها ومنهم القاضي ابن جحاف الثائر بها، وأحمد بن عبد الولي البتي الشاعر (- ٤٨٨) (٢) . ويقول فيه ابن الابار إنه كان كاتبا شاعرا بليغا مطبوعا كثير التصرف مليح التظرف قائما على الآداب وكتب النحو واللغة والأشعار الجاهلية والإسلامية؛ ولم يذكر سبب إحراق الكنبيطور له، ولعله من المحرضين عليه بشعره أو ترسله، أو لعله كان ذا صلة بابن جحاف.
وقد شهد أبو عبد الرحمن بن طاهر حال بلنسية أيام ثورة ابن جحاف فيها، ولك يكن راضيا تماما عن هذا الثائر، إذ كان ابن جحاف يظنه منافسا له، وعاش حتى شهد محنة بلنسية على يد السيد، وكان من الأسرى عام ٤٨٨ ومنها كتب إلى بعض إخوانه يصف حال المدينة (٣):
(١) التكملة: ٤١١.
(٢) التكملة: ٢٤.
(٣) الذخيرة - القسم الثالث (المخطوط): ٢٩.