Fardaha Cagaarka ah waa ku Dhintaan Waddooyinka Asphaltka
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Noocyada
اقترب منها حتى كاد يلامسها، انحنى حتى مال وجهه النوراني عليها، بدا كأنه يحاول أن يضمها إلى صدره أو يشدها من يدها أو يمسح على وجهها أو يقبلها، تراجعت مذعورة، ثم أخذت تئن وتنشج وتنادي شبحه السماوي الذي بدأ يهتز فوق الماء قبل أن يتلاشى كسحابة من الدخان! (1966م)
إلى أين؟
أنت في الحقيقة لا تخدع إلا نفسك؛ منذ سنين لا تدري عددها وأنت تذرع هذا المكان، في المساء، عندما تبزغ النجوم البعيدة في السماء الصافية تغادر غرفتك الباردة، تسير في خطواتك الوئيدة مطرق الرأس، تحاذر أن تقع عينك على شيء فتلمسه وتستقر عنده، تخشى أن ترفع عينيك إلى وجه من الوجوه التي تعرفك أو يخيل إليك أنها تعرفك، تنفض الضحكات عن أذنيك حتى لا تتسلل إلى قلبك المنكمش في زنزانته!
وإذا رأيت الشرطي أو سمعت خطواته على الرصيف التفت إليه كأنك تتحدى نظرته الفاحصة، كأنك دائما على استعداد لأن تخرج له بطاقتك، وتبين له اسمك وعنوانك، وتثبت له أنك مواطن صالح، ثم تعرج على الكازينو الراقد على صدر الماء؛ يداك مشبوكتان خلف ظهرك، ابتسامتك الذابلة على شفتيك، نظراتك تصافح العشاق الجالسين تحت الأشجار والفوانيس الشاحبة كعناقيد كرم ذهبي مهجور بلا جسد ولا بهجة. الجرسون الأسود يسرع إليك، يلقي عليك التحية، ابتسامته ترثي لك، وابتسامتك تعترف بالرثاء وتشكره وتسأمه.
ثم تخرج بعد أن تشرب القهوة المرة، وتحاسب الجرسون، وتطمئن إلى أنك وفيت ديونك. وتسير على الشاطئ؛ تقف عند كل جسر، ترمقه من بعيد وأنت ذاهل عن الحياة التي تضج عليه، تبتسم في سرك حين تفكر بالدور الذي يقوم به، بالأمانة التي يؤديها ، بالحمل الذي يصبر عليه، وتبتهج حين ترى الناس يسيرون عليه؛ مجهولون يلتقون فوق الماء ويفترقون ، يتشابكون لحظة ويعبرون، لا أحد يعرف أحدا، لا أحد يدري بهموم أحد؛ لكنهم يعبرون، يكاد الإحساس يجمعهم بأنهم في لحظة العبور مشتركون في المصير نفسه، وأنت تسير مثلهم على الجسر؛ تتحسس سوره، تطل منه على الماء، تفكر في كل مرة في هدوء التيار وصفائه، كما تفكر كم ستكون جثتك مرتاحة وهو يحملها على صدره؛ لكنك تتركه وتمضي إلى جسر آخر - ربما وقف على جانبيه سبعان عجوزان تجمدت مع الزمن وثبتهما؛ فما عاد أحد يخشاهما، وماتت تكشيرتهما فما عادا يؤمنان بها - وتتحسس السور، وتمر بسبابتك على ألواحه (عبثا تحاول عدها فهي كثيرة)، وتقف لحظة مطرق الرأس إلى الماء، وتفكر كم ستكون جثتك مرتاحة وهي محمولة على جسده الأسمر الثقيل في أيام الفيضان!
ويفاجئك القمر حين ترفع عينيك، فترى وجهه المستدير، وجه طفل شاحبا في تابوت فضي قديم. تدير له ظهرك، تسرع في خطواتك، تفكر أن الذين يقذفون بأجسادهم من فوق الجسور لا يعرفون تأنيب الضمير.
القمر يتبعك؛ وإن كنت تحسب أنه لا يرى إلا ظهرك، شعاعه الرحيم ينفذ إلى صدرك، يعريه، يفضحه، يضحك من سره المعتم الصغير؛ هل تحسب أن غرفتك الباردة ستنجيك منه؟
أنت تريد أن تنسى أنه كان يراك منذ سنين، كان يكشف صدرك المظلم في تلك الليلة التي لا تستطيع أن تنساها، كنت تسير معها في الغابة؛ رذاذ بسيط يتقطر من الأشجار فوقكما، أقدامكما المترددة تغوص في الطين، تصطدم هي وجذوع الشجر الناتئة، تجوس فوق الأوراق؛ فتئن تحتكما، تتكسر ضلوعها تحت ثقل أحذية الشتاء ذات الرقبة الطويلة والكعب السميك، على جسدها معطف من النايلون الشفاف (ستفرده بعد قليل على الأرض لترقدا عليه) على جسدك معطف من الكتان الرقيق، تكذب إن قلت: إنه يدفئك - على الرغم من أنك رفعت ياقته حول رقبتك - وتكذب مرة أخرى إن قلت: إن حبك لها يدفئك أكثر! الظلام في الغابة يطبق عليك، يطمس عينيك، يبتلعك، يغيبك معها في جوفه المعتم الواسع العميق. وأنت تضع ذراعك في ذراعها، معصمك يحس نبض العروق في معصمها، جسدك الظمآن المرتعش يمني نفسه بالنوم بعد قليل في أحضانها. يا أيها السندباد التعس، ماذا يكتشف السائر في الظلام؟ يا أيها الفارس القميء، ماذا يقدر عليه اللصوص؟
والقمر يرفع وجهه من بين السحب الدكناء، ينظر إليك بعين ويغلق الأخرى، يريد أن يذكرك، حين يطل عليك من بين أوراق البلوط والصبار؛ أنه هناك، يحميك من ظلك، يبعد أنفاس الظلام عن وجهك، يهمس لك بأنه يراك، وربما يسامحك.
وتذكر أنه في تلك الليلة أيضا كان هناك، يطل من خيمته المضيئة على مقبرة القرية الصغيرة الوديعة كأجنحة الحمام، البيضاء كظهر الموت. هناك كان الشيخ محمد يهيل حفنتين من التراب على جسد أخيك الصغير الذي يرقد الآن في المقبرة الضيقة الحقيرة، إلى جانب أخيه الذي سبقه منذ أسبوع. وعم مرجان الأسمر الطويل يحرك في كسل شفتيه بآيات من القرآن، وربما لم يحركهما على الإطلاق. وأبوك مع رجلين آخرين يقرآن في ملل بعض الآيات، ويرفعان السبابتين بالشهادة؛ أداء للواجب وكسبا للثواب، ويستعجلان اللحاد قبل أن ينفد زيت المصباح، ويبرد في البيت العشاء.
Bog aan la aqoon