بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد، فيقول، فقير الله الغني، عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد الحسيني البحراني: إني لما نظرت في كتب الحديث، مما عثرت عليه من القديم والحديث، رأيت أحاديث كثيرة، تتضمن حلية الأبرار: محمد وآله الأئمة الاثني عشر الأطهار، عليهم أفضل الصلوات وأكمل التحيات، صلوات وتحيات لا يحصيها إلا الواحد القهار.
وتلك الأحاديث متبددة لم يحوها سلك نظام، كأنها عقد انفصم، فتناثرت لآليه، ففاته الانتظام.
أحببت أن أجمعها في كتاب يسهل تناولها على الطلاب، لان هذا المطلب من أجل المطالب، ومن أنفس نفائس الرغائب، إذ صفاتهم ومزاياهم خارجة عن طوق البشر، وخصالهم في العلم والعمل لا تعد بقدر.
اصطفاهم الله جل جلاله من برياته، واختارهم على علم على العالمين، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، يجب اتباعهم في العلم والعمل، إذ طاعتهم مفروضة على الرعية كملا، إذ بهذه، الآثار والخواص يعلم أنهم المقتدى بهم في الافعال والأقوال، ولا عن ذلك مناص.
وهذا الذي أذكر في هذا الكتاب من حليتهم وصفاتهم قليل من كثير،
Bogga 1
رشحة من ذلك البحر الغزير، لكن به يأنس الطالب، ويكتفي به المحب الراغب.
وخدمت به حضرة ذي النفس الزكية، والروح القدسية، المكرم بالرئاسة الانسية، والكرامات السنية، والنفحات البهية، والمطالب العلية، والخصال الحميدة، والصفات المجيدة، ناظورة (1) ديوان الوزارة، الفائز في الكمالات النفسية بالقدح المعلى، المشهور في العوارف باليد الطولى، ظل الله على العالمين (إيماني بيك) ربط الله جل جلاله دولته بأوتاد الخلود، ولا زالت سعوده تتزايد بتزايد الدهور آمين.
وسميت الكتاب بحلية الأبرار: محمد وآله الأئمة الأطهار، وهو مبني على ثلاثة عشر منهجا:
المنهج الأول في حلية نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصفاته العليا، وفيه سبعون بابا:
الباب الأول في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته صلى الله عليه وآله في أول الأمر.
الباب الثاني في مولده الشريف صلى الله عليه وآله.
الباب الثالث في توحيده الله سبحانه في حال ولادته، وتيقظه للايمان بالله سبحانه وتعالى في صغره.
الباب الرابع في معرفة أهل الكتاب له صلى الله عليه وآله في وقت ولادته أنه النبي المبعوث وخاتم النبيين.
الباب الخامس في معرفة أهل الكتاب له صلى الله عليه وآله بالنعت له في كتبهم، وما ظهر لهم من دلائل النبوة في صغره.
الباب السادس في دفاع الله سبحانه وتعالى عنه صلى الله عليه وآله الكفار من أهل الكتاب قبل البعثة لما عرفوه بنعته.
Bogga 2
الباب السابع في بعثته صلى الله عليه وآله.
الباب الثامن في ثقل الوحي، وما كان يأخذ رسول الله من الاغماء، إذا كان بغير واسطة جبرائيل عليه السلام.
الباب التاسع في كيفية تبليغه الكافة.
الباب العاشر في إظهاره صلى الله عليه وآله الدعوة إلى الله ونزوله الشعب.
الباب الحادي عشر في نزول الشعب وحماية أبي طالب عليه السلام وما يدل على إيمانه من طريق العامة.
الباب الثاني عشر في أذى المشركين له صلى الله عليه وآله.
الباب الثالث عشر في قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/15/95" target="_blank" title="الحجر: 95">﴿إنا كفيناك المستهزءين﴾</a> (1) وإهلاكه سبحانه الفراعنة.
الباب الرابع عشر فيما عمله صلى الله عليه وآله بعد موت عمه أبي طالب قبل الهجرة.
الباب الخامس عشر في الهجرة إلى المدينة.
الباب السادس عشر وهو من الباب الأول.
الباب السابع عشر في صفته صلى الله عليه وآله.
الباب الثامن عشر في صفته صلى الله عليه وآله في الإنجيل.
الباب التاسع عشر في صفته ومدخله ومخرجه ومجلسه وسكنته صلى الله عليه وآله.
الباب العشرون في مجلسه للعلم، وقسمته لحظاته صلى الله عليه وآله بين أصحابه وغيرها وتقديم السابق في السؤال.
الباب الحادي والعشرون في تواضعه لأهل بيته صلى الله عليه وآله:
علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.
Bogga 3
الباب الثاني والعشرون في تواضعه وحسن خلقه صلى الله عليه وآله.
الباب الثالث والعشرون في زهده صلى الله عليه وآله.
الباب الرابع والعشرون في زهده صلى الله عليه وآله في المطعم والمشرب والملبس.
الباب الخامس والعشرون وهو من الباب الأول.
الباب السادس والعشرون من الباب الأول من طريق المخالفين.
الباب السابع والعشرون في اجتهاده صلى الله عليه وآله في العبادة.
الباب الثامن والعشرون في اجتهاده صلى الله عليه وآله في العبادة من طريق المخالفين.
الباب التاسع والعشرون في كيفية صلاته صلى الله عليه وآله صلاة الليل.
الباب الثلاثون من الباب الأول من طريق المخالفين.
الباب الحادي والثلاثون في خشوعه صلى الله عليه وآله وخوفه من الله تعالى.
الباب الثاني والثلاثون في استغفاره وتوبته صلى الله عليه وآله من غير ذنب في كل يوم.
الباب الثالث والثلاثون فيما يقوله صلى الله عليه وآله من التحميد إذا أصبح وأمسى.
الباب الرابع والثلاثون فيما يقوله صلى الله عليه وآله إذا ورد عليه ما يسره وما يغمه، وعند دخول المسجد وخروجه، وإذا أصبح، وعند النوم والانتباه، وعند هلال شهر رمضان، وعند إفطاره، وإذا أكل من عند أحد، وعند شرب الماء واللبن، وعند الفاكهة الجديدة، وعند ركوب الدابة.
الباب الخامس والثلاثون في صيامه صلى الله عليه وآله.
الباب السادس والثلاثون في جوده صلى الله عليه وآله.
Bogga 4
الباب السابع والثلاثون في جوده صلى الله عليه وآله من طريق المخالفين.
الباب الثامن والثلاثون أنه صلى الله عليه وآله أشجع الناس من طريق الخاصة والعامة.
الباب التاسع والثلاثون في عفوه صلى الله عليه وآله.
الباب الأربعون في عفوه صلى الله عليه وآله من طريق المخالفين.
الباب الحادي والأربعون في مداعبته وضحكه صلى الله عليه وآله من طريق الخاصة والعامة.
الباب الثاني والأربعون في تعظيم الناس له صلى الله عليه وآله في الجاهلية والاسلام من طريق الخاصة والعامة.
الباب الثالث والأربعون في حيائه وكفه صلى الله عليه وآله عن المجازاة من طريق الخاصة والعامة.
الباب الرابع والأربعون في نصيحته صلى الله عليه وآله وشفقته من طريق الخاصة والعامة.
الباب الخامس والأربعون في أنه كان صلى الله عليه وآله يعمل بيده.
الباب السادس والأربعون في جلوسه صلى الله عليه وآله.
الباب السابع والأربعون في سجداته الخمس للشكر .
الباب الثامن والأربعون في صبره صلى الله عليه وآله.
الباب التاسع والأربعون في صبره صلى الله عليه وآله من طريق المخالفين.
الباب الخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الطيب.
الباب الحادي والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الخضاب.
الباب الثاني والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الكحل.
الباب الثالث والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله السدر والنورة.
Bogga 5
الباب الرابع والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله السواك والخلال.
الباب الخامس والخمسون في استعماله صلى الله عليه وآله الحجامة.
الباب السادس والخمسون في المفردات.
الباب السابع والخمسون في أنه أولم عند التزويج.
الباب الثامن والخمسون في حبه صلى الله عليه وآله النساء، وأكله اللحم والعسل، واستعماله الطيب.
الباب التاسع والخمسون في أنه كان صلى الله عليه وآله يحب من اللحم الذراع.
الباب الستون في أكله صلى الله عليه وآله مع الضيف.
الباب الحادي والستون في أكله صلى الله عليه وآله الهريسة.
الباب الثاني والستون فيما أكله صلى الله عليه وآله من الفواكه والرمان وغيره.
الباب الثالث والستون في أنه كان صلى الله عليه وآله يعجبه القرع.
الباب الرابع والستون في أنه كان صلى الله عليه وآله يعجبه العسل.
الباب الخامس والستون في أكله صلى الله عليه وآله الخل والزيت.
الباب السادس والستون في اجتنابه صلى الله عليه وآله الطعام الحار.
الباب السابع والستون في المفردات.
الباب الثامن والستون في قلانسه صلى الله عليه وآله.
الباب التاسع والستون في خواتيمه صلى الله عليه وآله وحلية سيفه ودرعه.
الباب السبعون في معراجه صلى الله عليه وآله.
Bogga 6
بسم الله الرحمن الرحيم المنهج الأول في رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، خاتم النبيين وسيد المرسلين، وصفوة رب العالمين صلى الله عليه وآله، وفيه سبعون بابا.
Bogga 7
الباب الأول في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام في أول الأمر 1 - محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (1) قدس الله روحه قال: حدثنا الحسن (2) بن محمد بن سعيد الهاشمي (3)، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي (4)، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا
Bogga 9
عبد السلام بن صالح الهروي (1)، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما خلق الله خلقا أفضل مني، ولا أكرم عليه مني.
قال علي عليه السلام: فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل؟
فقال صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي، وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.
يا علي " الذين يحملون العرش ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون للذين آمنوا " (2) بولايتنا.
يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم، ولا حواء، ولا الجنة، ولا النار، ولا السماء، ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا، وتسبيحه، وتهليله، وتقديسه؟!
لان أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وتحميده (3).
ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.
Bogga 10
فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا، لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله، وأنا عبيد، ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله.
فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل (1) إلا به.
فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا (2) بالله، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله (3).
فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا، وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا:
الحمد لله، لتعلم الملائكة ما يحق (4) لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته (5)، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده.
ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبة، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية، ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون؟!
وإنه لما عرج بي إلي السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال: تقدم يا محمد صلى الله عليه وآله، فقلت له: يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم لان الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر.
فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرائيل: تقدم يا محمد وتخلف عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟ فقال: يا محمد إن (6) انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان، وإن تجاوزته
Bogga 11
احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله فزج بي في النور زجة (1) حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه (2)، فنوديت فقلت: لبيك ربي وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على (3) بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي.
فقلت: يا رب ومن أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد أوصيائك المكتوبون على ساق عرشي، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كل نور سطر أخضر، عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم مهدي أمتي.
فقلت: يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك، وخير خلقي بعدك.
وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكنه (4) مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو (5) دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة (6).
Bogga 12
2 - محمد بن خالد الطيالسي (1)، ومحمد بن عيسى بن عبيد (2)، بإسنادهما عن جابر بن يزيد الجعفي (3)، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام: كان الله ولا شئ غيره، ولا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمدا صلى الله عليه وآله، وخلقنا أهل البيت
Bogga 13
معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه، لا سماء (1)، ولا أرض، ولا مكان، ولا ليل، ولا نهار، ولا شمس، ولا قمر، يفصل نورنا من نور ربنا كشعاع الشمس من الشمس، نسبح الله تعالى ونقدسه، ونحمده ونعبده حق عبادته، ثم بدا لله تعالى أن يخلق المكان فخلقه، وكتب على المكان: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته، وبه نصرته.
ثم خلق الله العرش، فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك.
ثم خلق السماوات، فكتب على أطرافها مثل ذلك، ثم خلق الجنة والنار، فكتب عليهما مثل ذلك، ثم خلق الله الملائكة وأسكنهم السماء، ثم (2) تراءى لهم الله تعالى، وأخذ منهم الميثاق له بربوبيته، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، فاضطربت فرائص (3) الملائكة، فسخط الله تعالى على الملائكة، واحتجب عنهم، فلاذوا بالعرش سبع سنين، يستجيرون الله من سخطه، ويقرون بما أخذ عليهم، ويسألونه الرضا فرضي عنهم بعد ما أقروا بذلك، فأسكنهم بذلك الاقرار السماء، واختصهم لنفسه، واختارهم لعبادته.
ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، ولولا تسبيح أنوارنا ما دروا كيف يسبحون الله، ولا كيف يقدسونه.
ثم إن الله خلق الهواء فكتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته، وبه نصرته.
ثم الله تعالى خلق الجن، فأسكنهم الهواء، وأخذ الميثاق منهم له
Bogga 14
بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، فأقر منهم بذلك من أقر، وجحد منهم من جحد، فأول من جحد إبليس لعنه الله، فختم له بالشقاوة وما صار إليه.
ثم أمر الله تعالى أنوارنا أن تسبح فسبحت، فسبحوا بتسبيحنا، ولولا ذلك ما دروا كيف يسبحون الله.
ثم خلق الله الأرض فكتب على أطرافها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين وصيه، به أيدته، وبه نصرته، فبذلك يا جابر قامت السماوات بلا عمد، وثبتت الأرض.
ثم خلق الله تعالى آدم عليه السلام من أديم الأرض، ونفخ فيه من روحه، ثم أخرج ذريته من صلبه، فأخذ عليهم الميثاق له بالربوبية، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالولاية، أقر منهم من أقر، وجحد منهم من جحد، فكنا أول من أقر بذلك.
ثم قال لمحمد صلى الله عليه وآله: وعزتي وجلالي وعلو شأني لولاك ولولا علي وعترتكما الهادون والمهديون الراشدون ما خلقت الجنة، ولا النار، ولا المكان، ولا الأرض، ولا السماء، ولا الملائكة، ولا خلقا يعبدني.
يا محمد أنت حبيبي وخليلي وصفيي وخيرتي من خلقي، أحب الخلق إلي، وأول من ابتدأت من خلقي.
ثم من بعدك الصديق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وصيك به أيدتك ونصرتك، وجعلته العروة الوثقى، ونور أوليائي، ومنار الهدى، ثم هؤلاء الهداة المهتدون، من أجلكم ابتدأت خلق ما خلقت، فأنتم خيار خلقي وأحبائي وكلماتي وأسمائي الحسنى، وأسبابي، وآياتي الكبرى، وحجتي (1) فيما بيني وبين خلقي، خلقتكم من نور عظمتي، واحتجبت بكم عن من سواكم من خلقي، أستقبل بكم وأسأل بكم، فكل شئ هالك إلا وجهي، وأنتم
Bogga 15
وجهي، لا تبيدون، ولا تهلكون، ولا يهلك، ولا يبيد من تولاكم، ومن استقبلني بغيركم فقد ضل وهوى، وأنتم خيار خلقي، وحملة سري، وخزان علمي، وسادة أهل السماوات وأهل الأرض.
ثم إن الله تعالى هبط إلى الأرض (١) في ظلل من الغمام والملائكة وأهبط أنوارنا أهل البيت معه، فأوقفنا صفوفا بين يديه، نسبحه في أرضه، كما سبحناه في سمائه، ونقدسه في أرضه، كما قدسناه في سمائه، ونعبده في أرضه، كما عبدناه في سمائه.
فلما أراد الله إخراج ذرية آدم عليه السلام لاخذ الميثاق، سلك النور فيه، ثم أخرج ذريته من صلبه يلبون، فسبحنا فسبحوا بتسبيحنا، ولولا ذلك لما دروا كيف يسبحون الله عز وجل، ثم تراءى لهم لاخذ الميثاق منهم بالربوبية، فكنا أول من قال: بلى عند قوله: الست بربكم؟
ثم أخذ الميثاق منهم بالنبوة لمحمد صلى الله عليه وآله، ولعلي عليه السلام بالولاية، فأقر من أقر، وجحد من جحد.
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فنحن أول خلق ابتدء الله، وأول خلق عبد الله، وسبحه، ونحن سبب خلق الخلق، وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين، فبنا عرف الله، وبنا وحد الله، وبنا عبد الله. وبنا أكرم الله من أكرم من جميع خلقه، وبنا أثاب الله من أثاب، وعاقب من عاقب، ثم تلا قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/37/165" target="_blank" title="الصافات: 165">﴿وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون﴾</a> (٢) وقوله تعالى:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/43/81" target="_blank" title="الزخرف: 81">﴿قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين﴾</a> (3). فرسول الله صلى الله عليه وآله أول من عبد الله، وأول من أنكر أن يكون له ولد أو شريك، ثم
Bogga 16
نحن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم أودعنا بعد ذلك صلب آدم عليه السلام فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام، من صلب إلى صلب، ولا استقر في صلب إلا تبين عن الذي انتقل منه انتقاله، وشرف الذي استقر فيه، حتى صار في عبد المطلب، فوقع بأم عبد الله فاطمة، فافترق النور جزئين: جزء في عبد الله، وجزء في أبي طالب عليه السلام، فذلك قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/26/219" target="_blank" title="الشعراء: 219">﴿وتقلبك في الساجدين﴾</a> (1) يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم، فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب والأرحام (2)، حتى أخرجنا في أوان عصرنا وزماننا ، فمن زعم أنا لسنا ممن جرى في الأصلاب والأرحام، وولدنا الآباء والأمهات فقد كذب (3).
3 - محمد بن يعقوب (4)، عن الحسين بن محمد الأشعري (5) عن معلى بن
Bogga 17
محمد (1)، عن أبي الفضل عبد الله بن إدريس (2)، عن محمد بن سنان (3)، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال:
يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة عليهم السلام، فمكثوا ألف دهر (4)، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها (5)، وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم فهم يحلون ما يشاؤون، ويحرمون ما يشاؤون (6)، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى.
ثم قال: يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق (7)، ومن تخلف عنها محق (8)، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد (9).
Bogga 18
4 - وعنه (1)، عن الحسين (2)، عن محمد بن عبد الله (3)، عن محمد بن سنان، عن المفضل (4)، عن جابر بن يزيد، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر إن الله تبارك وتعالى أول ما خلق، خلق محمدا صلى الله عليه وآله وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله.
قلت: وما الأشباح؟ قال: ظل النور، أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيدا بروح واحدة، وهي روح القدس فيه كان يعبد الله، وعترته (5)، ولذلك خلقهم حلماء علماء، بررة أصفياء، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل، ويصلون الصلوات، ويحجون، ويصومون عليهم السلام (6).
Bogga 19
الباب الثاني في مولده الشريف صلى الله عليه وآله 1 - الشيخ الطوسي (1) في تهذيبه، عن أبي عبد الله بن عياش (2) قال:
حدثني أحمد بن زياد الهمداني (3)، وعلي بن محمد التستري (4)، قالا: حدثنا محمد بن الليث المكي، قال: حدثني أبو إسحاق بن عبد الله العريضي (5)، قال: وحك في صدري ما الأيام التي تصام؟ فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد عليهما السلام، وهو بصريا (6)، ولم أبد ذلك لاحد من خلق الله،
Bogga 21
فدخلت عليه فلما بصر بي، قال عليه السلام يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن وهي الأربعة:
أولهن اليوم السابع والعشرون من رجب، يوم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله إلى خلقه رحمة للعالمين، ويوم مولده بمكة، وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، فيه دحيت الكعبة، ويوم الغدير، فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أخاه عليا عليه السلام علما للناس، وإماما من بعده، قلت: صدقت جعلت فداك لذلك قصدت، أشهد أنك حجة الله على خلقه (1).
2 - ابن بابويه، قال: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (2)، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبد الله (3)، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4)، عن أبان بن عثمان (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع، فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلث سماوات، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله حجب عن السبع كلها، ورميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه.
وقال عمرو بن أمية: وكان من أزجر (6) أهل الجاهلية: أنظروا هذه النجوم التي تهتدى بها وتعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو
Bogga 22