66

Hilm Caql

حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة

Noocyada

لو قلت إن هذا سيكون عصيانا للرب وإن هذا هو سبب أني «لا يمكنني الاعتراض على ما أقوم به أنا» لما صدق أحد أني جاد. ولو قلت لك إن أفضل شيء يمكن أن يفعله الإنسان هو ألا يترك يوما يمر دون مناقشة الخير وسائر الموضوعات الأخرى التي تسمعني أناقشها وأبحث فيها في نفسي وفي نفوس الآخرين، وإن الحياة بدون هذا النوع من البحث لا تستحق أن يحياها المرء؛ لأصبحت أقل ميلا لتصديقي، ولكن هذه هي الحقيقة.

ويمكن لإشارات سقراط الورعة لحكمة الرب (وهو أحيانا ما يتحدث عن إله واحد وأحيانا عن آلهة متعددة) أن يخفي موقفه غير التقليدي من اللاهوت. فعندما يقول إن الحكمة للرب وحده يبدو أنه يعني ذلك بشكل مجازي تماما كما يهز المرء كتفيه قائلا: «الرب أعلم.» فانظر كيف يفسر «كلام» الرب محاولا استنتاج ملاحظات عن «حكمته». وقد كان عراف دلفي رسولا صادقا للرب كأي رسول آخر أرسله الرب في ذلك الزمان، ولكن سقراط لم يقبل ما قاله بل أخذ «يتحقق من صحته». ويقول سقراط في غير موضع: «إنني دائما لا أقبل نصيحة أي من أصدقائي إلا إذا بينت النتائج أنها خير طريق يقدمه العقل.» ويبدو أنه اتبع النهج نفسه مع نصيحة الرب؛ فلدى معرفته بالإعلان الإلهي أنه لا أحد أكثر حكمة من سقراط، رفض سقراط التسليم بهذا الأمر وأخذه على عواهنه حتى يتأكد بنفسه من إمكانية إيجاد معنى حقيقي فيه.

ويبدو أن سقراط كان يتحدث بشكل ملتف عند الإشارة إلى مهمته على أنها مقدسة؛ لأن عراف دلفي لم يخبره صراحة بأن يقدم على التفلسف، رغم أنه ذكر في أحد المواضع أن مهمة المجادلة والتساؤل التي أخذها على عاتقه كانت «طاعة لأوامر الرب التي نزلت عن طريق العراف، ومن خلال الرؤى وكل وسيلة أخرى فرضت بها الإرادة الإلهية فروضا على الإنسان»، ولكنه حين يتابع بقوله إن هذا كلام صادق «يسهل التثبت منه» يتضمن تحققه من صحة هذا الكلام محاولة إثبات أن مهمته جيدة من الناحية الأخلاقية. فهو لا يقدم أي دليل على أن الرب قد كلفه بذلك، وعلى الأرجح أنه وصل إلى لب الموضوع حينما قال: «أريدكم أن تعتبروا مغامراتي رحلة هدفها إثبات صدق العراف مرة وللأبد.» وقد كان ضميره وذكاؤه هما ما دفعاه لاستجواب من يظنون في أنفسهم الحكمة. ولقد كان بإمكانه الادعاء أن ذلك «يخدم قضية الرب»؛ لأن مثل هذه الأعمال تسهم في تأكيد إعلان العراف أنه ما من أحد أكثر حكمة من سقراط، ولكن كلام الرب له بريقه الذي يسهم في إظهار هدف سقراط الأخلاقي السامي وكسب تأييد مستمعيه؛ فقد كان دافعه الأساسي للتفلسف ببساطة هو أنه رأى أن هذا هو الصواب.

وقد ذكر سقراط أنه تأثر في أفعاله بما سماه روحه الحارسة، أو صوت لازمه طوال طفولته. ويبدو أن هذا كان يمثل فكره اللاهوتي الصابئ أو «الآلهة الجديدة» المشار إليها في الاتهامات الموجهة إليه. ومرة أخرى يتعامل سقراط مع نصيحة الروح الحارسة على أنها نصيحة يجب اقتناع العقل بها قبل أن تنفذ، كمشورة الأصدقاء أو كلمات عراف دلفي. ومن الواضح أن صوت الروح الحارسة هو ما يمكن أن نطلق عليه صوت الضمير الواعي، وعنه يقول سقراط: «عندما أسمعه أجده يثنيني عما أفكر في عمله ولا يشجعني عليه أبدا.»

ويقول سقراط إن الروح الحارسة قد حذرته من أي اشتغال بالسياسة؛ لأنه لو صنع من نفسه شخصية عامة لكان قتل قبل أن يعمل الكثير من الأعمال الصالحة. وهذا سبب اختياره أن يخدم الناس سرا فيقول:

لقد قضيت كل عمري محاولا إقناعكم صغارا وكبارا ألا تجعلوا همكم الأول وشغلكم الشاغل أجسادكم وممتلكاتكم وإنما تحقيق أقصى فائدة للروح، وأقول لكم إن الثروة لا تجلب الخير ولكن الخير هو ما يجلب الثروة وكل نعمة أخرى للفرد والدولة على السواء.

ويبدو أن أسلوب الإقناع هذا كان حادا في بعض الأوقات، فسقراط يقصد ضمنيا أن سكان أثينا يجب أن «يشعروا بالخزي والخجل من انشغالهم بجمع أكبر قدر ممكن من المال وببناء السمعة الحسنة والشرف والانصراف عن الانشغال بالحقيقة وبكمال الروح.» ولا بد أنه قد أزعجهم أثناء محاكمته بقوله إنه كان يقدم لأهل أثينا «أعظم خدمة ممكنة» بإظهار أخطائهم لهم. وقد كان هذا في مرحلة من إجراءات المحاكمة عندما صوت بإدانته وطلب منه أن يجادل بشأن العقوبة المناسبة لمواجهة طلب الادعاء بالحكم عليه بالإعدام. وكالمعتاد تعامل سقراط مع هذه المسئولية بسخرية، فيقول إنه يستحق مكافأة بدلا من العقوبة نظير الخدمة التي قدمها لسكان أثينا، ويقترح أن تكون مكافأته وجبات مجانية مدى الحياة على نفقة الدولة، وكان هذا امتيازا يمنح للفائزين بالألعاب الأولمبية وما شابهها، فيقول إنه يستحق هذا الامتياز أكثر منهم لأن «هؤلاء يقدمون صورة للنجاح بينما أقدم أنا الحقيقة.» وينهي سقراط هذا الجزء من حديثه باقتراح غرامة بديلة، يتكفل بها أفلاطون والأصدقاء الآخرون الذين عرضوا أن يتحملوها عنه. ولكن صبر أهل أثينا كان قد نفد بالفعل؛ فقد صوتوا على إعدامه بأغلبية أكبر من تلك التي أدانته. وهذا يعني أن بعض من رأوه بريئا في البداية قد استفزتهم وقاحته لدرجة أنهم غيروا رأيهم أو قرروا التخلص منه بأي حال.

وتذكر إحدى الروايات أنه بينما كان سقراط يغادر المحكمة، صاح أحد المعجبين المخلصين والأغبياء معا يدعى أبولودورس أن أصعب شيء عليه أن يحكم على سقراط بالإعدام ظلما، فرد عليه سقراط محاولا التخفيف عنه: «ماذا؟ وهل تريد أن يحكم علي بالموت عدلا؟»

أما بخصوص احتمالية الموت نفسها فقد قال إنه رجل طاعن في السن قريب من الموت على أية حال، وإنه قد عاش حياة صالحة ومجدية. وقال أيضا:

إن الخوف من الموت هو صورة أخرى من اعتقاد الإنسان أنه حكيم في حين أنه ليس كذلك ... فلا أحد يعلم ما إذا كان الموت هو النعمة الكبرى التي يحصل عليها الإنسان، ولكن الناس يرهبونه وكأنهم على يقين أنه هو الشر الأعظم، وهذا الجهل الذي يدفع صاحبه للاعتقاد بمعرفة ما لا يعرف يجب أن يكون محل استنكار ... وإذا ادعيت أني أكثر حكمة من جاري في أي جانب؛ فهذه الحكمة هي أنني ليس لدي أية معرفة حقيقية بما بعد الموت وأنني مدرك مع ذلك أني ليس لدي تلك المعرفة.

Bog aan la aqoon