16

Hilm Caql

حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلى عصر النهضة

Noocyada

وقد حاول أناكسيمينس أيضا أن يستخدم أدواته الجديدة الخاصة بالتخلخل والتكثف لوصف الجو، وهو موضوع رائج لدى المعتادين على حياة البحر من أهل ملطية، ولكن جهوده تمخضت عن تأكيد آراء أناكسيماندر؛ فقد اقتبس تفسير أناكسيماندر للرعد والبرق بأنه الفرار العنيف للرياح التي حبستها السحب. وأصبحت تلك الفكرة موضع سخرية في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد في مسرحية «السحب» لأرسطوفان:

ستريبسيادس : ... إذن ما هي الصاعقة الرعدية؟

سقراط :

عندما ترفع الرياح الجافة إلى أعلى وتحبس في السحب تنتفخ السحب بالرياح كالمثانة تنتفخ بالبول حتى تضطر إلى الانفجار وطرد الرياح سريعا بسبب كثافتها العالية، ثم تتسبب قوة اندفاع الرياح المطرودة وزخمها في تأججها.

ستريبسيادس :

نعم بحق زيوس! وعلى أية حال هذا ما حدث لي ذات مرة حيث كنت أقوم بشي قطعة سميكة من النقانق لأقربائي، ولم أهتم بشقها طوليا فانتفخت حتى انفجرت فجأة فلوثت عيني بالفتات واحترق وجهي.

وكان الرعد والزلازل - وليس انفجار النقانق - هما بالضبط نوع الظواهر التي حاول علماء الأساطير تفسيرها بأن نسبوها إلى أفعال الآلهة. وفي أعمال الشاعرين الأيونيين هوميروس وهسيود كانت الزلازل تحدث بسبب بوسيدون الذي يهز الأرض محدثا دويا، أما بالنسبة لأناكسيمينس فقد كانت تحدث (كما ذكر أرسطو):

عندما تبتل الأرض ثم تجف فتتمزق إربا إربا، وتهتز بفعل قمم الجبال التي تنفصل عن أماكنها وتنهار. وهكذا تحدث الزلازل في كل من فترات الجفاف والأمطار الغزيرة؛ ففي فترات الجفاف تجف الأرض وتتشقق، وعندما ترتفع الرطوبة بها تتقوض وتنهار.

وهكذا فقد جعل المذهب الطبيعي - وهو نظرة علماء الطبيعة للعالم - من بوسيدون شخصا لا قيمة له ولا وزن. وقد يتساءل المرء كيف كان الإغريق يؤمنون به هذا الإيمان القوي، وهو سؤال خادع؛ إذ ربما كان هناك أكثر من نظرة للمعتقدات الدينية كما هو الحال الآن، ولكن هذا الأمر لا يعنينا في هذا المقام. وحتى إن كان من آمنوا ببوسيدون والآلهة الأخرى قد أعجبتهم احتمالية وجود تفسيرات طبيعية للزلازل وما شابه من الأمور فنحن في الحقيقة لا نعلم أن أيا ممن سبق الملطيين قد توصل إلى تفسيرات كهذه. •••

ومع انهيار مدينة ملطية انتقل مركز النشاط الفلسفي لفترة غربا نحو المستعمرات الإغريقية بجنوب إيطاليا. وهكذا تعرض النشاط الفلسفي لتغيرات ملحوظة؛ حيث أضيفت للمناقشات النزيهة المحايدة حول الجو تأملات حول مصير الروح وكيفية الحياة بصورة صحيحة. وقد يرتاح بعض القراء لسماع ذلك حيث تعد تلك الموضوعات أكثر ملاءمة للمفهوم الشائع عن الفلسفة. ولكن قبل الانتقال إلى فيثاغورس وأتباعه في الغرب، من الأهمية بمكان أن نقيم الملطيين ونقدم تفسيرا لماذا يستحقون هم أيضا لقب فلاسفة.

Bog aan la aqoon