Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
ولقد كانت النظرية الأساسية في ميتافيزيقا أفلوطين هي نظريته في الثالوث، الذي يتألف من الواحد، والعقل (النوس) والنفس، بهذا الترتيب في الأولوية والاعتماد، ولكن علينا أن نلاحظ قبل أن نعرض لهذا الموضوع أن هذه النظرية، برغم كل ما كان لها من تأثير على اللاهوت المسيحي، لم تكن هي ذاتها مسيحية، بل كانت أفلاطونية جديدة. ولقد كان هناك فيلسوف معاصر لأفلوطين، درس على أستاذه نفسه هو أوريجين
Origen ، الذي كان مسيحيا، وقال أيضا بنظرية في الثالوث، وضعت بدورها الأطراف الثلاثة على مستويات مختلفة، فاستحقت الإدانة فيما بعد بوصفها هرطقة. أما أفلوطين الذي كان تفكيره يقع خارج نطاق المسيحية فلم يكن معرضا لمثل هذه الإدانة، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل تأثيره يظل أعظم حتى عهد قسطنطين.
إن «الواحد» في ثالوث أفلوطين يشبه إلى حد بعيد الفلك الواحد عند بارمنيدس، الذي لا يمكننا أن نقول عنه أكثر من أنه «يوجد».
أما تقديم أي وصف آخر له، فيعني أنه قد تكون هناك أشياء أخرى أعظم منه. ويتحدث أفلوطين عن هذا الواحد أحيانا، وكأنه هو الإله، وأحيانا أخرى على أنه «الخير» على طريقة محاورة «الجمهورية». غير أنه أعظم من «الوجود»، حاضر في كل مكان، وليس في مكان شامل، ولكنه لا يعرف، وأفضل ما يمكن أن يفعله المرء إزاءه هو أن يصمت بدلا من أن يقول أي شيء، وهنا نرى بوضوح تأثير التصوف؛ ذلك لأن المتصوف بدوره يلوذ وراء حاجز الصمت والعجز عن الاتصال، ونستطيع أن نقول إن عظمة الفلسفة اليونانية تكمن آخر الأمر في اعترافها بالدور الأساسي للكلمة «اللوجوس». وهكذا فإن الفكر اليوناني، على الرغم من وجود بعض العناصر الصوفية فيه، كان في أساسه مضادا للتصوف.
والعنصر التالي في ثالوث أفلوطين هو ما يسميه بالعقل أو النوس، وهي كلمة يكاد يكون من المستحيل إيجاد ترجمة مطابقة لها، والمقصود هنا شيء يشبه الروح، لا بمعنى صوفي، بل بمعنى عقلي. وخير سبيل إلى إيضاح العلاقة بين النوس والواحد، هو استخدام تشبيه.
فالواحد أشبه بالشمس التي تبعث نورها الخاص، وعندئذ يكون النوس هو ذلك النور الذي يرى به الواحد ذاته. ويمكن بمعنى معين أن نشبهه بالوعي الذاتي، وحين نستخدم أذهاننا في الاتجاه الذي يبعدنا عن الحس يمكننا أن نصل إلى معرفة النوس، ومن خلاله إلى «الواحد» الذي يعد النوس صورة له. وهنا نجد نظيرا لفكرة الجدل في جمهورية أفلاطون، حيث يقال إن عملية مماثلة تؤدي بنا إلى رؤية صورة الخير.
أما العنصر الثالث والأخير في الثالوث، فيسمى بالنفس التي تتصف بطبيعة مزدوجة؛ فهي في جانبها الداخلي تتجه إلى أعلى، صوب النفوس، أما مظهرها الخارجي فيهبط بها إلى عالم الحس، الذي تكون خالقة له. والواقع أن نظرية أفلوطين تنكر مذهب «شمول الألوهية
»، وذلك على خلاف الطريقة الرواقية في التوحيد بين الله والعالم، وتعود إلى رأي سقراط، ولكن على الرغم من أنها تنظر إلى الطبيعة على أنها صادرة عن النفس، وهي في حالة هبوطها، فإنها لا ترى الطبيعة شرا، كما فعل «الغنوصيون
Gnostics »، بل إن صوفية أفلوطين تعترف اعترافا تاما بأن الطبيعة جميلة، وبأنها خيرة بوصفها تعبيرا عن نظام الأشياء كما ينبغي أن يكون. على أن الصوفية المتأخرين لم يشاركوا أفلوطين هذه النظرة السخية إلى الطبيعة، وكذلك فعل الدعاة الدينيون، بل والفلاسفة أنفسهم؛ فقد غلب عليهم طابع الانصراف إلى الحياة الأخرى، حتى أصبحوا يلعنون الجمال والمتعة بوصفهما انحطاطا وشرا، وإنه لمن المشكوك فيه إلى أبعد حد أن تلقى هذه التعاليم القاسية استجابة من أي شخص فيما عدا المتعصبين المهووسين. ومع ذلك فإن عقيدة القبح المعكوسة هذه ظلت سائدة طوال قرون عديدة، ويمكن القول إن المسيحية تنطوي في صورتها الرسمية على الفكرة الغريبة القائلة إن اللذة آثمة.
أما في موضوع الخلود، فقد أخذ أفلوطين بالرأي الذي عرض في محاورة «فيدون». إذ يقال إن نفس الإنسان ماهية، ولما كانت الماهيات أزلية فلا بد أن تكون النفس أزلية، وهذا يوازي رأي سقراط القائل إن النفس تدخل ضمن إطار الصور، ومع ذلك فقد تضمنت نظرية أفلوطين عنصرا أرسطيا معينا. فعلى الرغم من أزلية النفس، فإنها تتجه إلى الاندماج في النفوس، ومن ثم فإنها تفقد طابعها الشخصي، حتى لو لم تكن تفقد هويتها.
Bog aan la aqoon