Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
كان من المشكلات التي عالجها الفيثاغوريون المتأخرون - كما رأينا - تكوين الأعداد الصماء بوصفها قيما محددة لتتابعات الجذور المتصلة، ومع ذلك لم يصغ أحد أية نظرية حسابية كاملة عن هذه المشكلة، وترتب على ذلك استحالة تقديم عرض للنسب على أساس حسابي؛ إذ إنه ظل من المستحيل إعطاء العدد الأصم، أي العدد الذي لا يمكن قياسه اسما رقميا. أما في حالة الأطوال فإن الأمر يختلف، بل إن الصعوبة قد كشفت لأول مرة في محاولة إعطاء رقم لوتر مثلث متساوي الساقين قائم الزاوية طول ضلعه وحدة واحدة؛ لذلك ظهرت نظرية متكاملة عن النسب في الهندسة، ويبدو أن مخترعها كان يودكسوس
Eudoxus ، الذي كان معاصرا لأفلاطون، أما الصورة التي وصلت إلينا هذه النظرية بها فنجدها عند إقليدس، حيث عرضت المسألة كلها بقدر من الوضوح والدقة يدعو إلى الإعجاب، ثم حدثت عودة أخيرة إلى الحساب مع اختراع الهندسة التحليلية بعد ذلك بألفي عام. والواقع أن ديكارت عندما افترض أن الهندسة يمكن أن تعالج بالجبر، كان يتابع نفس المثل الأعلى العلمي الذي استهدفه الديالكتيك عند سقراط، وحين هدم ديكارت الفروض الخاصة بالهندسة، وجد مبادئ أعم يبني الهندسة عليها.
وهذا بعينه هو الهدف الذي سعى إليه رياضيو الأكاديمية، أما مدى نجاحهم في بلوغه فهو أمر لن نعرفه أبدا.
إن كتاب «الأركان» لإقليدس هو رياضة بحتة بالمعنى الحديث، ولقد تابع رياضيو الإسكندرية أبحاثهم؛ لأنهم كانوا مهتمين بتلك المشكلات، وكانوا في ذلك سائرين على درب تراث الأكاديمية، ولا تظهر هذه السمة في أية حالة بنفس القدر من الوضوح الذي تظهر به عند إقليدس؛ إذ لا نجد لديه أبسط تلميح إلى أن الهندسة يمكن أن تكون مفيدة عمليا، وفضلا عن ذلك فإن إتقان علم كهذا يقتضي مرانا ودأبا طويلا. وهكذا فعندما طلب ملك مصر إلى إقليدس أن يعلمه الهندسة في دروس قليلة سهلة، كان الرد المشهور الذي أجاب به هو أنه لا يوجد طريق ملكي إلى الرياضيات.
غير أن من الخطأ الاعتقاد بأن الرياضيات لم تكن لها فائدة عملية، ومن الخطأ كذلك الاعتقاد بأن المشاكل الرياضية لا تنشأ في أحيان كثيرة من مشاكل عملية، ولكن التنقيب عن أصل نظرية معينة شيء، ومعالجتها في ذاتها شيء آخر. فهذان اهتمامان لا يميز بينهما الناس - في كثير من الأحيان - بما فيه الكافية. فلا معنى لإلقاء اللوم على إقليدس؛ لأنه لم يبد اهتماما كافيا بالظروف الاجتماعية للكشف الرياضي؛ إذ إن هذا شيء لم يكن له ببساطة اهتمام به، فحين تقدم إليه كمية معينة من المعرفة الرياضية أيا كانت الطريقة التي ظهرت بها هذه المعلومات، فإنه يمضي في طريق معالجتها، ويضعها في ترتيب استنباطي دقيق. وهذا نوع من الممارسة العلمية لا تتوقف صحته على وضع المجتمع، أو على أي شيء آخر، بل إن هذه الملاحظات تنطبق على الفلسفة ذاتها. صحيح بالطبع أن أوضاع العصر توجه أنظار الناس إلى مشكلات معينة في الوقت الراهن بدلا من أن توجههم إليها في وقت سابق أو لاحق، غير أن هذا لا يؤثر بأي حال في قيمة النظريات التي توضع لمواجهة هذه المشكلات.
وهناك اختراع آخر ينسب إلى يودكسوس
Eudoxus ، هو ما يسمى بطريقة الاستنفاد أو الاستغراق، وهي طريقة تستخدم في حساب المساحات التي تحدها أقواس أو منحنيات، والهدف هنا هو استنفاد المكان المتاح عن طريق ملئه بأشكال أبسط يمكن معرفة مساحاتها بسهولة، وهذا بالضبط من حيث المبدأ هو ما يحدث في حالة حساب التكامل، الذي كانت طريقة الاستنفاد في الواقع ممهدة له.
ولقد كان أشهر رياضي استخدم طريقة الحساب هذه هو أرشميدس، الذي لم يكن عظيما في ميدان الرياضيات فحسب، بل كان أيضا مهندسا فذا، وعالما بارزا في الفيزياء. وقد عاش في سراقوزة، وذكر المؤرخ بلوتارك أن مهارته الفنية ساعدته أكثر من مرة في حماية المدينة من أن تجتاحها جيوش الأعداء. وفي النهاية غزا الرومان صقلية بأكملها، ومعها سراقوزة، وسقطت المدينة في عام 212، وقتل أرشميدس خلال عملية التدمير التي أعقبت احتلالها.
وتقول الأسطورة إن جنديا رومانيا طعنه فأرداه قتيلا، في الوقت الذي كان يعكف فيه على حل مشكلة هندسية رسمها على الرمال في حديقته.
وقد استخدم أرشميدس طريقة الاستنفاد من أجل تربيع القطع الناقص والدائرة؛ فبالنسبة إلى القطع الناقص، يمكن الوصول إلى صيغة عددية دقيقة عن طريق رسم عدد متعاقب إلى ما لا نهاية من المثلثات الأصغر فالأصغر. أما في حالة الدائرة، فإن الإجابة تتوقف على العدد الذي يمثل النسبة التقريبية ط، وهو نسبة المحيط إلى القطر، ولما كان هذا عددا أصم، فإن طريقة الاستنفاد يمكن استخدامها للوصول إلى مقادير تقريبية لهذه النسبة، وهكذا نضع أشكالا منتظمة داخلية وخارجية متعددة الأضلاع يزداد عدد أضلاعها بالتدريج، بحيث تقترب أكثر فأكثر من المحيط. وتظل الأشكال الداخلية المتعددة الأضلاع التي نضعها أقل في محيطها دائما من الدائرة، بينما تظل الأشكال الخارجية دائما أكثر، غير أن الفرق يتضاءل بالتدريج مع ازدياد الأضلاع في العدد.
Bog aan la aqoon