Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
وهناك موضوع عام آخر تناقشه الفلسفة الطبيعية، هو المكان والزمان والحركة. وقد تحدثنا عن المفهوم الأخير في صدد الكلام عن التغير، ولكن يجدر بنا أن نلاحظ طريقة أرسطو في معالجة الموضوع؛ فعلى حين أن الإيليين قد وجدوا صعوبات يستحيل التغلب عليها عندما حاولوا إيجاد تفسير للحركة، نرى أرسطو يعالج المسألة من طرفها الآخر؛ فالحركة تحدث بالفعل، ولا بد أن تكون هذه هي نقطة بدايتنا. وبناء على تسليمنا بذلك تصبح المشكلة هي كيفية تعليلها. ونستطيع أن نقول في هذا الصدد مستخدمين تعبيرا حديثا إن أرسطو اتخذ الموقف التجريبي في مقابل الموقف العقلي عند الإيليين. ولهذه النقطة أهميتها، وخاصة لأن هناك اعتقادا خاطئا يشيع القول به، وهو أن ثمة شيئا غير سليم، ولا يمكن الاعتماد عليه في الموقف التجريبي. ففي حالة الحركة مثلا يدافع أرسطو عن الرأي القائل بأن هناك اتصالا، وهذا موقف معقول إلى أبعد حد يتيح له أن يمضي بعد ذلك إلى التساؤل عما ينطوي عليه هذا الاتصال، مع الاعتراف باستحالة التوصل إلى المتصل عن طريق المنفصل. وهذه النقطة الأخيرة كثيرا ما يغفلها الرياضيون الذين كانوا يأملون منه أيام فيثاغورس في تشييد عالم رياضي من لا شيء. فعلى حين أن من الممكن بناء نظرية تحليلية في الاتصال على أساس منطقي بحت، فإن تطبيقها على الهندسة يتوقف على التسليم مقدما بالاتصال.
لقد كان نوع الحركة الذي بحثناه من قبل هو التغير الكيفي، ولكن هناك نوعين آخرين للحركة، هما التغيير الكمي والتغير في المكان. وهذه هي الفئات الثلاثة الوحيدة التي يمكن أن تندرج تحتها الحركة، فليس من الممكن وفقا لنظرية أرسطو إرجاع كل تغير إلى حركة الجزئيات، كما فعل الذريون؛ إذ إن من المستحيل إرجاع مقولة أو فئة إلى الأخرى، وهنا أيضا نجد رأي أرسطو يميل إلى ناحية المذهب التجريبي، أما الذريون الذين كانوا - كما رأينا - ورثة التراث الإيلي، فكانوا يفكرون على أساس مبدأ الرد، الذي يتميز به الفلاسفة العقليون.
أما نظرية أرسطو في الزمان والمكان فتشترك مع الآراء الحديثة في جوانب كثيرة؛ فأرسطو يستدل على وجود المحل أو الموقع من حقيقة أن الموضوعات المختلفة يمكنها أن تشغل نفس المكان في أزمنة مختلفة. وعلى ذلك فمن الواجب التمييز بين المكان وبين ما يوجد في المكان، ولكي نحدد موقع شيء ما يمكننا أن نبدأ بتحديد منطقة يكون فيها، ثم نزيد هذه المنطقة تحديدا بالتدريج، حتى نصل إلى محله الخاص. وهذه الطريقة في التفكير هي التي أدت بأرسطو إلى تعريف محل جسم ما بأنه حدوده، ولكن هذا يبدو ظاهريا كما لو كان نتيجة هزيلة يتم الوصول إليها بعد مناقشة مشكلة تبدو عويصة حقا. غير أن تحليل هذا النوع من المشكلات يؤدي في كثير من الأحيان إلى بلوغ نتيجة تدهشنا بساطتها وواقعيتها، وفضلا عن ذلك فإن هذه الحلول مهما بدت مائعة، تنطوي دائما على نتائج هامة؛ ففي الحالة الراهنة نستنتج أن من المعقول بالنسبة إلى أي موضوع أن نسأل: أين هو، ولكن لا معنى للسؤال: أين العالم؟ ذلك لأن الأشياء كلها موجودة في المكان، أما الكون فلا، فالكون ليس متضمنا في أي شيء، وهو في الواقع ليس شيئا بالمعنى الذي تكون به الكراسي والطاولات أشياء. وهكذا نستطيع بكل ثقة أن نقول لأي شخص يود السفر إلى الأطراف النهائية للعالم إنه يبحث عن شيء يستحيل الاهتداء إليه.
ولكن ينبغي القول إن أرسطو في تحليله للمحل أو الموضع لا يقدم نظرية في المكان بالمعنى الذي يقصده الرياضيون أو الفيزيائيون، بل إن ما يقوم به أقرب إلى التحليل اللغوي، ومع ذلك فإن هناك صلة بين الأمرين، فإذا استطعنا تحليل معنى المواضع أو المحلات، فإن هذا سيساعدنا بغير شك على تحسين فهمنا للقضايا المتعلقة بالمكان.
وقد ذهب أرسطو على عكس الذريين، إلى أنه لا وجود للفراغ، وهو يقدم عددا من الحجج لإثبات هذا الرأي، وكلها حجج باطلة. وأطرف هذه الحجج هو «برهان الخلف
reduction ad absurdum »، الذي يبدأ من أن سرعة الأجسام في وسط ما تتفاوت حسب كثافة الوسط ووزن الجسم، ومن هذا يستنتج أولا أن الأجسام لا بد أن تتحرك في الفراغ بسرعة لا نهائية، وهو أمر ممتنع؛ لأن كل حركة تحتاج إلى وقت ما. وفضلا عن ذلك فإن الجسم الأثقل لا بد أن يتحرك أسرع من الجسم الأخف، ولكن هذا لا يتعين أن يحدث في الفراغ، وعلى أساس هاتين الحجتين يعلن أن الفراغ مستحيل، ولكن النتائج لا تلزم في الواقع عن المقدمات.
فقولنا إن الجسم يتحرك على نحو أسرع في الوسط الأقل كثافة لا يلزم عنه أن يتحرك الجسم بسرعة لا نهائية في الفراغ. أما عن النقطة الأخرى فإن الملاحظة تثبت أن الجسم الخفيف يسقط في المكان المفرغ بنفس السرعة التي يسقط بها الجسم الثقيل. على أن أخطاء أرسطو بشأن الفراغ لم تكتشف إلا بعد عصره بحوالي ألفي عام، ومع هذا كله فإن الإنصاف يقتضينا أن نقول إن العلماء لم يكونوا مرتاحين لفكرة الفراغ، حتى في العصر الحديث؛ ولذا ملئوه بمادة من نوع خاص كالكثير، أو في الفترة الأخيرة بتوزيعات للطاقة.
أما مناقشة أرسطو للزمان فتشبه تحليله للمكان إلى أبعد حد؛ فالأحداث تقع في تعاقبات زمنية مثلما توجد الأشياء في سلسلة من الأمكنة. وكما أن لكل شيء مكانه الخاص، فإن لكل حادث أيضا زمانه الخاص. وفيما يتعلق بالاتصال يميز أرسطو ثلاث طرق يمكن أن ترتب بها الأشياء؛ فهي إما أن تكون متعاقبة، بحيث يأتي أحدها بعد الآخر دون أي حد متوسط في السلسلة التي نبحثها، وإما أن تكون الأشياء متصلة، كما يحدث حين تتجاور الحدود المتعاقبة، وأخيرا يكون الترتيب متصلا إذا كانت الأطراف المتوالية تشترك في حدود واحدة، وإذا كان شيئان متصلين أحدهما بالآخر فإنهما يكونان متلاصقين، ولكن العكس ليس صحيحا، وبالمثل فإن الشيئين المتلاصقين متعاقبان أيضا، ولكن ليس العكس.
وبعد تأكيد هذه الأمور الأولية، نرى أن الكم المتصل لا يمكن أن يتألف من عناصر غير قابلة للقسمة، ومن الواضح أن غير القابل للقسمة لا يمكن أن تكون له حدود، وإلا لأمكن تقسيمه بعد ذلك.
أما إذا لم يكن للأشياء غير القابلة للقسم حجم، فلا معنى لوصفها بأنها متعاقبة أو متجاورة أو متصلة، فمثلا توجد بين أية نقطتين في مستقيم نقط أخرى، وبالمثل توجد بين أية لحظتين في امتداد زمني لحظات أخرى. وهكذا فإن المكان والزمان متصلان وقابلان للقسمة إلى ما لا نهاية، وفي هذا الصدد ينتقل أرسطو إلى تفسير مفارقات زينون. والحل الذي يقدمه صحيح بالفعل، ولكن تغيب عنه النقطة الرئيسية في حجج زينون. فكما رأينا من قبل لم يحاول زينون أن يقدم نظرية إيجابية خاصة به، وإنما أخذ على عاتقه أن يثبت وجود شوائب في نظرية الوحدات التي قال بها الفيثاغوريون. ولو تركنا جانبا تحريفاته الإيلية لكان من الممكن جدا أن يتفق مع أرسطو.
Bog aan la aqoon