Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
Erinyes )، غير أن النسب ليست جامدة تماما، وكل ما هو مطلوب هو ألا تتجاوز حدودها؛ فمن الممكن أن تتذبذب في حدود معينة، وهذا ما يعلل تلك الظواهر الدورية ؛ كالليل والنهار في الطبيعة، واليقظة والنوم في الإنسان، وما شابهها من التغيرات. وقد يجد المرء لديه ميلا إلى أن يربط فكرة النسب المتذبذبة بفكرة تكوين الفيثاغوريين للأعداد الصماء عن طريق كسور مستمرة تتألف من تقريبات متعاقبة تزيد وتنقص بالتناوب عن القيمة المحددة، غير أننا لا نعرف إن كان الفيثاغوريون الأوائل توصلوا إلى هذه الطريقة بالفعل أم لا، وعلى الرغم من أنها كانت بالقطع معروفة أيام أفلاطون، فإننا لا نستطيع أن ننسب هذه المعرفة عن ثقة إلى هرقليطس.
ولقد كان هرقليطس، شأنه شأن زينوفان، يحتقر العقيدة الشائعة في أيامه، وذلك في صورتيها الأوليمبية والأورفية؛ ففي رأيه أن الطقوس والقرابين ليست هي التي تجعل الناس فضلاء، وهكذا أدرك بوضوح الطابع السطحي والبدائي للممارسات الشعائرية. «عبثا ما يفعلون حين يطهرون أنفسهم بأن يرشوها بالدماء، مثلهم في ذلك كمثل من يغسل رجليه من الطين، بأن يغمسهما في الوحل، وهو منظر لو رآه أحد لحكم على صاحبه بالجنون»، وهكذا فإن السير في هذا الاتجاه لا يجلب أي نوع من الفضيلة.
ولكن هناك طريقة يمكن بها بلوغ الحكمة، هي إدراك المبدأ الكامن في الأشياء. هذه الصيغة هي انسجام الأضداد، وهي صيغة لا يدركها الناس برغم أنها تتكشف في كل مكان. «إن الصيغة التي أقول بها تغيب عن عقول الناس قبل أن يسمعوها وبعد أن يسمعوها؛ ذلك لأنه رغم أن الأشياء جميعا تحدث وفقا لهذه الصيغة، فإن الناس يبدون وكأنهم لا يعرفون عنها شيئا، حتى عندما يصادفون أقوالا وأفعالا كتلك التي أوضحتها عندما ميزت كل شيء وفقا لنوعه وحددت ما يكونه»، فإذا لم نعرف هذه الصيغة فلن يفيدنا أي قدر من التعلم. «إن تعلم أشياء كثيرة لا يعلم الفهم.» وتلك نظرة سنجدها فيما بعد عند هيجل، وكان مصدرها الأول هو هرقليطس.
وإذن فالحكمة إنما تكون في إدراك الصيغة الكامنة التي هي مشتركة بين الأشياء جميعا، وعلينا أن نلتزم بهذه الصيغة كما تلتزم المدينة بقوانينها، بل إن علينا أن نلتزم بها بمزيد من الدقة؛ لأن الصيغة المشتركة تسري على نحو شامل، على حين أن القوانين قد تختلف من مدينة لأخرى، وهكذا فإن هرقليطس يؤكد الطابع المطلق لما هو مشترك، على عكس فكرة النسبية التي كانت تنمو في ذلك العصر نتيجة للمقارنات التي كانت تجرى بين العادات المتباينة للشعوب المختلفة؛ فالموقف الهرقليطي مضاد للرأي البرجماتي الذي قال به السفسطائيون، والذي أعرب عنه بروتاجوراس
فيما بعد بقوله: «إن الإنسان مقياس الأشياء جميعا.»
ولكن على الرغم من أن الصيغة الكلية الشاملة، أو اللوجوس
Logo
موجودة في كل مكان، فإن الكثيرين يعجزون عن رؤيتها، ويسلكون وكأن لكل منهم حكمته الخاصة به، وهكذا فإن الصيغة العامة أبعد ما تكون عن الرأي الشعبي أو العام، وبسبب هذا العجز (عن إدراك الصيغة العامة) يحتقر هرقليطس العامة؛ فهو أرستقراطي بالمعنى الحرفي للكلمة، أي بمعنى من يؤيد سلطة المتفوقين أو الأفاضل؛ «خير لأهل إفسوس، أعني كل رجل بالغ منهم، أن يشنقوا أنفسهم، ويتركوا المدينة للصبية الذين لم تنبت لحاهم؛ ذلك لأنهم نبذوا هرمودورس
Hermodorus ، أفضلهم جميعا، قائلين: لا نود أن يكون بيننا من هو أفضل منا، ولو كان ثمة شخص كهذا، فليكن الأفضل في مكان آخر وبين أناس آخرين.»
ومن المؤكد أن فكرة هرقليطس عن نفسه كانت رفيعة، وهو أمر يجوز لنا أن نعذره عليه، وعلى أية حال، فباستثناء هذا الغرور الشخصي، فإنه يظهر أمامنا مفكرا ضخما، جمع بين أهم تصورات السابقين له، وكان له تأثير حيوي على أفلاطون.
Bog aan la aqoon