Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
176

Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Noocyada

في المعرفة. ففي ظل هذه النظريات لا تكون هناك معطيات حسية غير محسوسة. أما عن الأفكار المجردة فإنها، إن كانت ممكنة على الإطلاق، لا بد أن تكون معبرة عن حقيقة لا يمكن أن تجرب، وهذا تناقض وقعت فيه تجريبية لوك. أما الرأي التجريبي الصحيح فيذهب إلى أن الواقع يعادل في امتداده ما يمكن تجربته فحسب.

فكيف إذن ينبغي معالجة مشكلة الكليات؟ يشير باركلي إلى أن ما ظن لوك أنه أفكار مجردة إن هو إلا أسماء كلية. غير أن هذه لا تشير إلى أي شيء منفرد، وإنما تشير إلى أي واحد ضمن مجموعة من الأشياء. وهكذا فإن لفظ «المثلث» يستخدم للتعبير عن أي مثلث، ولكنه لا يشير إلى تجريد. والواقع أن الصعوبة في نظرية الأفكار المجردة ترتبط بالصعوبة التي ناقشناها في صدد الصور السقراطية. فهي بدورها غير محددة أو نوعية على الإطلاق، وهي بهذا الوصف تعيش في عالم آخر غير عالمنا، أو مع ذلك، فقد ساد الاعتقاد بأن من الممكن معرفتها.

على أن باركلي لا يكتفي بإنكار الأفكار المجردة، بل يرفض أيضا كل تمييز قال به لوك بين الموضوعات والأفكار، وكذلك نظرية المعرفة التمثيلية

representative

المترتبة عليه؛ إذ كيف يمكننا لو كنا تجريبيين متسقين مع أنفسنا، أن نذهب من جهة إلى أن كل تجربة إنما هي تجربة لأفكار إحساس وانعكاس ، ونؤكد من جهة أخرى أن الأفكار تطابق موضوعات ليست هي ذاتها معروفة، أو حتى قابلة لأن تعرف؟ لقد رأينا من قبل عند لوك بوادر تمييز، أجراه «كانت» فيما بعد، بين الأشياء في ذاتها والمظاهر، أما باركلي فيرفض الأولى رفضا قاطعا، وهو على حق تماما في رفضها بوصفها غير متمشية مع تجريبية لوك. وهذا هو لب مثالية باركلي، فكل ما يمكننا أن نعرفه ونتحدث عنه حقا هو مضامين ذهنية، ولنلاحظ أن لوك قد اعتنق إلى جانب النظرية التمثيلية في المعرفة الرأي القائل إن الكلمات علامات للأفكار، فكل فكرة تناظرها كلمتها، والعكس بالعكس. ولقد كان هذا الرأي الباطل هو أصل نظرية الأفكار المجردة، وهكذا يتعين على لوك أن يقول إن التصريح بكلمة في حديث ما يستدعي الفكرة، وعلى هذا النحو تنتقل المعلومات من شخص إلى آخر.

ولا يجد باركلي صعوبة في تفنيد هذه النظرة إلى اللغة، ذلك لأن ما نفهمه عندما نستمع إلى شخص ما هو المعنى الإجمالي لكلامه، لا سلسلة من المعاني اللفظية المنفصل بعضها عن بعض، والتي تنظم بعد ذلك كحبات العقد. بل يمكننا أن نضيف إلى ذلك قولنا إن الصعوبة المتعلقة بعملية التمثيل ستعود، على أية حال، مرة أخرى، فكيف يعطي المرء الأفكار أسماء؟ إن هذا يقتضي أن يكون المرء قادرا على أن يعبر عن وجود فكرة محددة معينة في ذهنه، ثم يعطيها بعد ذلك أسماء، ولكن حتى في هذه الحالة سيظل من المستحيل أن نرى كيف يمكن التعبير عن التطابق، لأن الفكرة وفقا لما تقول به النظرية ذاتها، غير لفظية، وهكذا فإن التفسير الذي يقدمه لوك للغة يشويه نقص فادح.

لقد رأينا أن في استطاعة المرء تقديم تفسير لمثالية باركلي يجعلها أقل غرابة مما قد تبدو للوهلة الأولى. غير أن بعض النتائج التي اضطر باركلي إلى استخلاصها تتسم بأنها أقل إقناعا؛ فقد بدا له أنه إذا كان هناك نشاط إدراكي فلا مهرب من القول بضرورة وجود أذهان أو أرواح تقوم بهذا النشاط. على أن الذهن، حين تكون له أفكار لا يكون موضوعا لتجربته الخاصة، ومن ثم فإن وجوده لا يكمن في كونه مدركا (بفتح الراء)، بل في كونه مدركا (بكسرها). غير أن هذه النظرة إلى الذهن لا تتسق مع موقف باركلي الخاص؛ ذلك لأننا لو فحصنا المسألة لوجدنا أن الذهن الذي يتصور على هذا النحو هو بالضبط من نوع تلك الفكرة المجردة التي انتقدها باركلي عند لوك، فهو شيء لا يدرك هذا الشيء أو ذاك، وإنما يدرك بالمعنى المجرد. أما مسألة ما يحدث للذهن حين لا يمارس نشاطه، فإنها تتطلب حلا خاصا. فمن الواضح، إذا كان الوجود يعني إما الإدراك، كما في حالة الأذهان التي تمارس نشاطها، وإما كون الشيء مدركا، كما في حالة الأفكار، إن الذهن غير الفعال لا بد أن يكون فكرة في الذهن الإلهي الذي هو فعال أبدا. وهكذا يدخل باركلي هذا الإله الفلسفي لا لشيء إلا لمواجهة صعوبة نظرية. ذلك لأن وظيفة هذا الإله تقتصر على ضمان استمرار وجود الأذهان، وتبعا لذلك، ما نسميه بالموضوعات المادية أيضا. والواقع أن العرض الذي نقدمه لهذه الفكرة هو محاولة فيها قدر من التجاوز، من أجل تقريب كلام باركلي مما يمكن أن يقبله العقل السليم. على أن هذا الجزء من تفكير باركلي هو أقل الأجزاء قيمة وأهمية من الوجهة الفلسفية.

ولا بد لنا أن نؤكد في هذا المقام أن صيغة باركلي القائلة إن وجود الشيء هو كونه مدركا، لا تقول شيئا يعتقد أنه يتقرر عن طريق التجربة العلمية. بل إن ما يقوله في الواقع هو أنه يكفينا أن نتأمل بدقة كيف نستخدم مفرداتنا اللغوية على الوجه الصحيح لكي ندرك أن هذه الصيغة لا بد أن تكون صحيحة. وهكذا فإن ما يقوم به هنا ليست له دلالة ميتافزيقية، وإنما هو مجرد تحديد للطريقة التي ينبغي بها استخدام ألفاظ معينة. وبطبيعة الحال فبقدر ما نقرر أن نستخدم لفظي «الوجود» و«كونه مدركا» بطريقة مرادفة، لا يكون هناك مجال للشك. ولكن باركلي لا يعتقد فقط أن هذه هي الطريقة التي ينبغي أن نستخدم بها هذه الألفاظ، بل يقول إننا نستخدمها بالفعل على هذا النحو عندما نتحدث بدقة. ولقد بينا من قبل أن هذا قد يكون رأيا معقولا إلى حد ما، ومع ذلك فمن حق المرء أن يشعر بأن طريقة باركلي هذه في الكلام ليست صحيحة إلى الحد الذي كان يعتقد.

وأول ما ينبغي أن نلاحظه هو أنه يستخلص نظرية ميتافيزيقية عن الذهن والله لا تتمشى على الإطلاق مع بقية أجزاء فلسفته. وعلى الرغم من أننا لن نلح كثيرا على هذه النقطة، فإننا قد نشعر بأن مصطلح باركلي يخرج بلا داع عن طرق الحديث العادية المألوفة، وإن كان هذا أمرا قابلا للمناقشة، وهو على أية حال ليس سببا ينبغي من أجله أن نرفض رأيه. ولكن بغض النظر عن هذا الأمر تماما فإن العرض الذي يقدمه باركلي ينطوي على ضعف فلسفي يعرضه لقدر كبير من النقد. ومما يزيد من أهمية هذه النقطة أن باركلي وقع في هذا الخطأ عينه حين عرض نظريته في الإبصار، فقد أكد عن حق، كما ذكرنا من قبل، أن المرء يرى بعينيه ولا ينظر إليهما. وبالمثل يمكن القول بوجه عام إن المرء يدرك بذهنه، ولكنه حين يدرك لا يحلق فوق ذهنه، إن جاز التعبير، لكي يلاحظه، فكما أننا لا نلاحظ أعيننا، كذلك لا نلاحظ أذهاننا، وكما أننا لا نقبل القول إننا نرى ما على عدسة العين، كذلك لا ينبغي أن نقول إننا ندرك ما في الذهن، وهذا يثبت على الأقل أن عبارة «في الذهن تحتاج إلى بحث دقيق لم يقم به باركلي.»

والأمر الذي يثبته هذا النقد هو أنه قد تكون هناك أسباب قوية لرفض طريقة باركلي في الكلام، لحساب مصطلح مختلف، وذلك على أساس التشبيه الذي أوردناه في المثل السابق؛ إذ يبدو من الواضح أن صياغة باركلي، يمكن، في هذه الناحية، أن تكون مضللة إلى أبعد حد، وقد يرى البعض أن هذه ليست طريقة منصفة في معالجة باركلي، ولكن هذا، على الأرجح، هو ما كان باركلي ذاته خليقا بأن يطلبه من الناقد؛ ذلك لأنه رأى أن مهمة الفيلسوف هي الكشف عن أساليب الكلام المضللة، وقد عبر عن هذه المسألة في مقدمة كتابه «المبادئ» بقوله: «إنني أميل على وجه العموم إلى الاعتقاد بأن القدر أكبر من تلك الصعاب التي شغلت الفلاسفة من قبل، والتي وقفت حجر عثرة في طريق المعرفة، إن لم يكن كل هذه الصعاب، ترجع برمتها إلينا؛ فنحن نبدأ بأن نثير الغبار، ثم نشكو من عدم قدرتنا على الرؤية.»

Bog aan la aqoon