Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad

Fuad Zakariyya d. 1431 AH
174

Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Noocyada

ومن الغريب حقا أن نجاح لوك الهائل يرتبط بالانتصار الكاسح الذي أحرزه نيوتن؛ ذلك لأن فيزياء نيوتن قد قضت على سلطة أرسطو بصورة نهائية حاسمة. وبالمثل فإن نظرية لوك السياسية، وإن لم تكن مبتكرة إلا في القليل، قد نفذت حق الملوك الإلهي، وسعت إلى إقامة نظرية جديدة للدولة، مبنية على قانون الطبيعة الذي قال به المدرسيون، بعد أن أدخلت عليه التعديلات التي تجعله ملائما للأوضاع الحديثة. ويظهر الطابع العلمي لهذه الجهود من خلال تأثيراتها على الأحداث التالية. فصيغة إعلان الاستقلال الأمريكي ذاتها تحمل طابعها بوضوح. وحين عدل فرانكلين عبارة جيفرسون التي كانت تقول «إننا نؤمن بأن هذه الحقائق مقدسة لا سبيل إلى إنكارها.» فاستعاض عن التعبير «مقدسة لا سبيل إلى إنكارها.» بالتعبير «واضحة بذاتها.» فقد كان يعبر بذلك عن لغة لوك الفلسفية.

أما في فرنسا فقد كان تأثير لوك أقوى حتى من أمريكا. فقد كان الطغيان السياسي البالي الذي يمارسه النظام القديم

Ancien regime

2

يمثل الوجه المضاد، إلى درجة الوضوح المؤلم، للمبادئ الليبرالية السائدة في إنجلترا. وفضلا عن ذلك فإن مفاهيم نيوتن قد حلت، في الميدان العلمي، محل النظرة الديكارتية الأقدم عهدا، إلى العالم. وفي ميدان الاقتصاد بدوره، كان الفرنسيون يعجبون كثيرا بسياسة التجارة الحرة الإنجليزية، على الرغم من أنهم أساءوا فهمها إلى حد ما. وهكذا كانت تسود في فرنسا، طوال القرن الثامن عشر، حالة من عشق كل ما هو إنجليزي (anglophilia) ، مبنية قبل كل شيء على تأثير لوك.

ولقد كانت فلسفة لوك هي التي أظهرت للمرة الأولى ذلك الانقسام الذي عرف فيما بعد في الفلسفة الأوروبية الحديثة. كان الطابع العام للفلسفة داخل القارة الأوروبية هو طابع بناء المذاهب الشامخة. وكانت الحجج التي ترتكز عليها ذات طابع قبلي

a priori ، ولم تكن في كثير من الأحيان تكترث، في تعميماتها الشاملة بالمسائل التفصيلية. أما الفلسفة الإنجليزية فتتبع بصورة أدق منهج البحث التجريبي في العلم. فهي تعالج عددا كبيرا من المسائل الأصغر بطريقة تجزيئية، وعندما تقدم مبادئ عامة تخضعها لاختبار الأدلة المباشرة.

ونتيجة لهذه الاختلافات في طريقة المعالجة، نجد المذهب القبلي، برغم اتساقه في ذاته، يتهاوى بأكمله إذا ما زعزعت مرتكزاته الأساسية. أما الفلسفة التجريبية فإن اعتمادها على الوقائع الملاحظة يجعلها لا تنهار إذا ما تبين وجود خطأ في مواضيع معينة منها. والاختلاف هنا أشبه بالاختلاف بين هرمين يبنى أحدهما مقلوبا، فالهرم التجريبي يرتكز على قاعدته، ومن ثم فهو لا ينهار إذا ما سقطت كتلة من جزء معين فيه، أما الهرم القبلي فيرتكز على رأسه ويتداعى حتى لو دفعته بالإصبع.

والواقع أن النتائج العملية لهذا المنهج أوضح ظهورا في ميدان الأخلاق بوجه خاص، فمن الممكن أن تؤدي نظرية للخير وضعت بوصفها مذهبا جامدا إلى خراب مرعب لو أن طاغية غشوما تخيل نفسه مبعوث العناية الإلهية من أجل تطبيقها. ولا جدال في أنه قد يكون هناك من يزدرون الأخلاق النفعية لأنها تبدأ من الرغبة الأساسية في السعادة. غير أن من المؤكد أن من يؤيد هذه النظرية سوف يفعل في النهاية، من أجل تحسين حال أقرانه، أكثر مما يفعل المصلح المتزمت المتصلب، الذي يسعى إلى تحقيق غاية مثالية مهما كانت الوسائل. ويناظر هذا الاختلاف في وجهات النظر حول الأخلاق، اختلاف آخر في المواقف إزاء السياسة؛ إذ لم يكن لدى الليبراليين المتأثرين بتراث لوك ميل كبير إلى التغييرات الشاملة المبنية على مبادئ مجردة. فكل مشكلة ينبغي أن تعالج بذاتها في مناقشة حرة. وهذا الطابع التجزيئي، التجريبي، الذي لا يكتفي بالخروج عن المذهبية الجامدة ، بل يعاديها، والذي يتسم به الحكم والممارسة الاجتماعية في إنجلترا، هو الذي يثير قدرا كبيرا من السخط لدى بقية الأوروبيين داخل القارة.

ولقد كان خلفاء المذهب الليبرالي عند لوك، من أصحاب مذهب المنفعة يدعون إلى أخلاق تقوم على النفع الذاتي المستنير، وهي فكرة قد لا تستثير أنبل المشاعر في البشر، ولكنها في الوقت ذاته تتجنب تلك الفظائع التي ارتكبت بطريقة بطولية حقا، باسم مذاهب أرفع، وضعت لنفسها أهدافا أكثر احتراما، ولكنها تجاهلت حقيقة أن الناس ليسوا تجريدات.

Bog aan la aqoon