Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
وعلى ذلك ينبغي أن يبدأ الذهن كصفحة بيضاء، تزودها التجربة بمضمونها الفعلي. ويطلق لوك على هذا المضمون اسم الأفكار، وهو لفظ يستخدم بمعنى شديد الاتساع. وتنقسم الأفكار بوجه عام إلى نوعين، حسب موضوعاتها: فهناك أولا أفكار الإحساس، التي تأتي من ملاحظة العالم الخارجي عن طريق حواسنا، أما النوع الآخر، فهو أفكار الانعكاس التي تنشأ عندما يلاحظ الذهن ذاته. وإلى هذا الحد لا يقدم لوك شيئا يلفت نظرنا بجدته. ذلك لأن الرأي القائل إن الذهن لا يوجد فيه شيء ما لم يكن قد أتى عن طريق الحواس ، كان تعبيرا مدرسيا قديما، وقد أضاف ليينتس تحفظا يستثني الذهن ذاته من هذه الصيغة. أما الجديد، والمميز للتجريبية، فهو الرأي القائل إن هذه هي المصادر الوحيدة للمعرفة، وهكذا فإننا لا نستطيع أبدا، خلال تفكيرنا وتأملنا أن نتجاوز حدود ما اكتسبناه عن طريق الإحساس والانعكاس.
وينتقل لوك إلى تقسيم الأفكار إلى بسيطة ومركبة، وهو لا يقدم معيارا مرضيا للبساطة؛ لأنه يصف الأفكار بأنها بسيطة حين لا يمكن تقسيمها إلى أجزاء، وهذا شيء لا يفيدنا كثيرا من حيث هو تفسير، فضلا عن أن لوك لم يكن متسقا مع نفسه في استخدامه لهذه العبارة. غير أن ما يحاول أن يقوله واضح، فإذا كانت الأفكار الوحيدة الموجودة هي أفكار الإحساس والانعكاس، فلا بد أن يكون من الممكن إيضاح الطريقة التي تتألف بها محتويات الذهن من نوعي الأفكار هذين، أو بعبارة أخرى كيف تنشأ الأفكار المركبة من تجمع أفكار بسيطة، وتنقسم الأفكار المركبة إلى جواهر
Substances
وأحوال
Modes
وعلاقات
Relations . فالجواهر أفكار مركبة عن الأشياء التي يمكنها أن توجد بذاتها، على حين أن الأحوال تعتمد على الجواهر. وأما العلاقات فليست في الواقع أفكارا مركبة بالمعنى الذي حدده لوك على الإطلاق، كما أدرك لوك ذاته فيما بعد؛ فهي فئة قائمة بذاتها تنشأ عن عملية المقارنة الذهنية. فلو تأملنا مثلا حالة السببية لوجدنا فكرة العلاقة هذه تطرأ على ذهننا عند ملاحظة التغير. أما فكرة الارتباط الضروري فكانت مبنية في رأي لوك، على افتراض مسبق وليست قائمة على التجربة. وقد أكد هيوم فيما بعد النقطة الثانية من النقطتين السابقتين، على حين أكد «كانت» النقطة الأولى.
إن القول بأن المرء يعرف شيئا ما ينطوي في نظر لوك، على القول بأن المرء لديه يقين ما. وفي هذه المسألة لم يفعل لوك شيئا سوى مسايرة تراث العقليين، واستخدام لفظ «يعرف» بمعنى يرجع إلى أفلاطون وسقراط. على أن ما نعرفه، في رأي لوك إنما هو أفكار، وهذه الأفكار بدورها توصف بأنها تصور العالم أو تمثله. وبطبيعة الحال فإن نظرية المعرفة القائمة على فكرة تمثيل العالم تجعل لوك يتجاوز التجريبية التي دافع عنها بكل هذا الحماس. ذلك لأنه إذا كان كل ما نعرفه هو الأفكار، فلن يكون في وسعنا أبدا أن نعرف إن كانت هذه الأفكار مطابقة لعالم الأشياء. وعلى أية حال فإن هذا الرأي عن المعرفة يؤدي بفيلسوفنا إلى الرأي القائل إن الألفاظ تدل على الأفكار بطريقة تشبه إلى حد بعيد دلالة الأفكار على الأشياء. غير أن بين الحالتين فرقا، هو أن الألفاظ علامات اصطلاحية أو متعارف عليها، وهي صفة لا يمكن أن تقال عن الأفكار. ولما كانت التجربة لا تزودنا إلا بأفكار جزئية، فإن نشاط الذهن ذاته هو الذي ينتج الأفكار المجردة، العامة. أما عن رأي لوك في أصل اللغة، الذي يعبر عنه بطريقة عرضية في الدراسة، فإنه يشارك فيكو اعترافه بأهمية المجاز.
إن من الصعوبات الرئيسية في نظرية المعرفة عند لوك، محاولة تفسير الخطأ. والواقع أن الطابع الذي تتخذه المشكلة عنده هو بالضبط طابعها الذي رأيناه من قبل في محاورة «تيتاتوس» لأفلاطون، وذلك إذا ما أحللنا الصفحة البيضاء عند لوك محل قنص الطيور عند أفلاطون، ووضعنا الأفكار موضع الطيور. عندئذ يبدو أن من المستحيل وفقا لهذه النظرية أن يقع المرء في الخطأ، غير أن هذا النوع من المشكلات لا يقلق بال لوك عادة. فهو ليس منهجيا في معالجته لموضوعاته، وكثيرا ما يترك الموضوع حين تنشأ صعوبات. وقد أدى به تكوينه الذهني العملي إلى معالجة المشكلات الفلسفية بطريقة تجزيئية دون أن يواجه مشكلة الوصول إلى موقف متسق مع ذاته. لقد كان بالفعل، كما قال، عاملا تابعا.
أما في مسائل اللاهوت، فقد أخذ لوك بالتقسيم التقليدي للحقيقة إلى عقلية ونقلية، وظل على الدوام مؤمنا مخلصا بالمسيحية، وإن كان إيمانه قد اتخذ طابعا مستقلا. ولقد كان أشد ما ينفر منه هو الحماس الديني الذي يصل إلى حد الهوس، أي حالة أولئك الذين يعتقدون أن هناك إلهاما إلهيا متسلطا عليهم، مثل كثير من الزعماء الدينيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر. فقد كان يرى أن تعصبهم يهدم العقل والوحي معا، وهو رأي أكدته فظائع الحروب الدينية بطريقة مأساوية. ولكن حقيقة الأمر، على أية حال، هي أن لوك قد جعل الأولوية للعقل، متابعا في ذلك الاتجاه الفلسفي العام لعصره.
Bog aan la aqoon