Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
غير أن الأسئلة التي تطرح، في الفلسفة، تفوق في أهميتها الإجابات التي تقدم، ومن هذه الزاوية كانت مدرسة ملطية جديرة بالشهرة التي أحرزتها. كذلك لم يكن المستغرب أن تكون أيونية، التي أنجبت هوميروس، هي أيضا مهد العلم والفلسفة؛ ذلك لأن الدين عند هوميروس كما رأينا كان ذا طابع أوليمبي، وظل محتفظا بهذا الطابع. وفي مثل هذا المجتمع الذي لا تثقل عليه النزعة الصوفية كثيرا، تتوافر للنظر العلمي فرصة أكبر، وعلى حين أن كثيرا من مدارس الفلسفة اليونانية التالية كان لها من الصوفية نصيب، فينبغي أن نذكر دائما أنها كانت جميعا مدينة بالفضل للملطيين.
إن المدرسة الملطية لم تكن مقيدة بأية حركة دينية، بل إن من السمات الملفتة للنظر في الفلاسفة السابقين لسقراط أنهم كانوا جميعا على خلاف مع التراث الديني السائد. وهذا يصدق حتى على مدارس كالفيثاغورية ، التي لم تكن في ذاتها معارضة للدين. ولقد كانت الممارسات الدينية لليونانيين ككل مرتبطة بالأعراف السائدة في «دول المدينة» المختلفة، ومن هنا فإن الفلاسفة عندما كانوا يسيرون في طرق خاصة بهم، لم يكن من المستغرب أن يدخلوا في نزاع مع عقائد الدولة في مدنهم، وهو مصير يتعرض له جميع أصحاب العقول المستقلة في كل زمان ومكان.
وعلى مسافة قريبة من ساحل أيونية تقع جزيرة ساموس
Samos ، ولكن على الرغم من القرب المكاني، فإن تقاليد الجزر كانت في نواح هامة أكثر محافظة من تقاليد المدن الواقعة في قلب البلاد ذاتها؛ ففي الجزر يبدو أن بقايا حضارة بحر إيجه الغابرة ظلت تمارس تأثيرها طويلا، وهذا فارق ينبغي أن نأخذه في حسباننا في بحوثنا التالية. فعلى حين أن أيونية التي أنجبت هوميروس ومدرسة ملطية القديمة لم تكن على وجه الإجمال ميالة إلى أن تأخذ الدين بجدية، فإن عالم الجزر كان منذ البداية أكثر استعدادا لتقبل التأثير الأورفي الذي انطبع على ما تبقى من معتقدات حضارات كريت وبحر إيجه.
لقد كانت الديانة الأولمبية مسألة قومية لا تنطوي على عقائد دينية راسخة بالمعنى الدقيق، أما الأورفية فكانت لها نصوصها المقدسة، وكانت تربط بين معتنقيها برباط من المعتقدات المشتركة، وفي هذه الحالة تصبح الفلسفة طريقا للحياة، وموقفا منها بالمعنى الذي سيعتنقه سقراط فيما بعد.
ولقد كان رائد هذه الروح الجديدة في الفلسفة هو فيثاغورس، الذي كان مواطنا لجزيرة ساموس، ونحن لا نعرف الكثير عن تاريخ حياته وتفاصيلها، ولكن يقال إن فترة ازدهاره كانت حوالي عام 532ق.م، أيام حكم الطاغية بوليكراتيس
. ولقد كانت مدينة ساموس منافسة لملطية وغيرها من مدن الأرض اليونانية الأصلية التي سقطت في أيدي الغزاة الفرس بعد أن استولوا على سارديس
Saradis
في عام 544ق.م، وكان بوليكراتيس لوقت ما حليفا وثيقا لأمازيس
Amasis ، ملك مصر، وهذا هو بالطبع أصل الرواية القائلة إن فيثاغورس سافر إلى مصر، ومنها استمد معارفه الرياضية، وأيا كان الأمر فإن فيثاغورس قد رحل عن ساموس؛ لأنه لم يستطع أن يتحمل حكم بوليكراتيس الاستبدادي، واستقر في كروتون
Bog aan la aqoon