Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
في هذا السياق أصبحت للفلسفة وظيفة دينية؛ فعلى الرغم من أن الإيمان يعلو على العقل، فإن من واجب المؤمن أن يعمل بقدر ما يستطيع على تحصين نفسه ضد الشك بأن يدع العقل يلقي على الإيمان ما يمكنه إلقاؤه من النور. وهكذا أصبحت الفلسفة في العصور الوسطى خادمة اللاهوت، وكان من الضروري أن يكون الفلاسفة المسيحيون من رجال الكنيسة، ما دامت هذه النظرة سائدة، وكان رجال الدين هم الذين يصونون التعليم الدنيوي بقدر ما ظل موجودا كما كان يشرف على المدارس، ومن بعدها الجامعات، أشخاص ينتمون إلى طريقة من الطرق الدينية الكبرى، وكان الإطار الفلسفي الذي استعان به هؤلاء المفكرون يرجع إلى أفلاطون وأرسطو. وقد أصبح للتيار الأرسطي بالذات الغلبة في القرن الثالث عشر، وإنه لمن السهل أن ندرك السبب الذي جعل أرسطو أصلح للتكيف مع اللاهوت المسيحي من أفلاطون؛ ففي استطاعتنا أن نعبر عن ذلك بلغة مدرسية، فنقول إن النظرية الواقعية لا تترك مجالا كبيرا لقوة إلهية لها وظيفة أساسية في تدبير الأمور، أما الاسمية فتترك مجالا أوسع بكثير في هذا الصدد، وعلى الرغم من أن إله المسيحية واليهودية يختلف بالطبع عن إله أرسطو اختلافا بينا، فمن الصحيح مع ذلك أن المذهب الأرسطي يلائم الإطار المسيحي للعالم على نحو أفضل بكثير من الأفلاطونية؛
4
فالنظرية الأفلاطونية تلهم مذاهب شمول الألوهية، كما هي الحال عند اسبينوزا، وإن كانت صيغته الخاصة لهذا المذهب منطقية خالصة، كما سنرى فيما بعد، ومن الممكن أن يدوم هذا التوحيد بين الفلسفة واللاهوت طالما سمح للعقل بأن يدعم الإيمان إلى حد ما.
ولكن عندما أنكر المفكرون الفرنسسكان هذا الاحتمال، ورأوا أن العقل والإيمان لا صلة لأحدهما بالآخر، أصبح المسرح مهيئا لاضمحلال تدريجي لوجهة نظر العصور الوسطى. ولم تعد للفلسفة وظيفة تمارسها في الميدان اللاهوتي، وهكذا فإن أوكام بتحريره للإيمان من كل ارتباط ممكن بالبحث العقلي وضع الفلسفة على الطريق المؤدي ثانية إلى العلمانية. ومنذ القرن السادس عشر لم تعد الكنيسة هي المسيطرة في هذا الميدان.
وفي الوقت ذاته أتاحت هذه الازدواجية للناس أن يحتفظوا بالانفصال القاطع بين أوجه نشاطهم في كل من الميدان العقلي والميدان الديني، وإنه لمن الخطأ البين أن نرى في هذا نفاقا؛ فقد كانت هناك وما تزال أعداد كبيرة من البشر لا يسمحون لمعتقداتهم العملية بالتدخل في معتقداتهم الدينية، بل إن من المؤكد، على عكس ذلك، أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تخلص العقيدة من هجمات الشك؛ ذلك لأنه عندما يدخل اللاهوت في ساحة الجدل يكون لزاما عليه أن يساير قواعد المناقشة المنطقية.
ومن جهة أخرى، فإن المرء يصل إلى طريق مسدود تماما كلما حاول أن يقبل بالإيمان قضية لا تتمشى مع نتائج البحث التجريبي.
فلنتأمل مثلا عمر الكوكب الذي نعيش فيه؛ إن العهد القديم يحسبه بحوالي خمسة آلاف وثلاثة أرباع الألف، ومن يتمسك بحرفية العقيدة، فعليه أن يؤمن بذلك، ولكن الجيولوجيين يقدمون إلينا أدلة تقنعنا بأن عمر الأرض يزيد عن أربعة آلاف مليون سنة، وهكذا ينبغي تعديل أحد هذين الاعتقادين ما لم يكن الباحث المتدين على استعداد لأن يؤمن بأحد الرأيين يوم الأحد وبالرأي الآخر بقية الأسبوع. والمسألة الهامة هنا هي أنه حينما تتعارض المبادئ الدينية مع نتائج البحث العلمي، يكون الدين دائما في موقف دفاعي، ويتعين عليه أن يعدل موقفه؛ ذلك لأن الأمر الطبيعي هو أن الإيمان ينبغي ألا يتعارض مع العقل. ولما كان التعارض يقع هنا في ميدان الجدل العقلي، فإن الدين هو الذي ينبغي عليه أن ينسحب دائما، ولكن باستثناء هذا التحفظ، فإن الموقف الديني بعد الانسحاب يظل متميزا ومنفصلا.
لقد أظهر الفلاسفة المدرسون، في محاولاتهم تقديم تفسير عقلي للعقائد الدينية بقدر ما يكون ذلك ممكنا، قدرا كبيرا من الذكاء وحدة الذهن في أحيان كثيرة، وكان تأثير هذه التدريبات العقلية على المدى الطويل هو شحذ الأدوات اللغوية التي ورثها مفكرو عصر النهضة فيما بعد. وربما كان هذا أعظم إنجاز حققته الحركة المدرسية. أما الشيء الذي يعيبها فهو أنها لم تعط الأهمية الكافية للبحث التجريبي، وهو نقص كان على العلماء الفرنسسكان أن يلفتوا الأنظار إليه. ولقد كان من الطبيعي أن يتم التقليل من قدر النتائج التي تتوصل إليها التجربة في عصر كان يهتم بالإلهيات والعالم الآخر أكثر من اهتمامه بمشكلات هذا العالم. أما مفكرو عصر النهضة، فقد أعادوا الإنسان مرة أخرى إلى مكان الصدارة. وفي مثل هذا الجو يقدر النشاط الإنساني لذاته، وبالتالي يخطو البحث العلمي بدوره، خطوات جديدة جبارة.
لقد كان الشيء الذي ميز الغرب عن بقية العالم خلال القرون الثلاثة أو الأربعة الماضية هو في نهاية المطاف أخلاق الفعالية والنشاط، وكما أن التكنولوجيا الغربية قد غزت العالم، فكذلك اكتسبت الأخلاق المتمشية معها قدرا لا يستهان به من النفوذ المتجدد.
مقدمة المترجم
Bog aan la aqoon