Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
هذه النظرية، ولكن الكنيسة أحسنت صنعا بالتخلي عنها في ذلك الحين.
كانت اهتمامات أوغسطين لاهوتية في الأساس، وحتى في الحالات التي كان فيها يهتم بالمسائل الفلسفية، كان هدفه الأكبر هو التوفيق بين تعاليم الكتاب المقدس والتراث الفلسفي للمدرسة الأفلاطونية، وقد استبق في ذلك تراث اللاهوتيين المدافعين عن العقيدة بالحجة العقلية. ومع ذلك فإن تأملاته الفلسفية لها أهميتها في ذاتها، وهي تكشف عن وجود قدر من التعمق في تفكيره.
وهذه المادة الفلسفية توجد في الكتاب الحادي عشر من الاعترافات، ولما كان مختلفا عن أسلوب الثرثرة الذي اعتاده الناس، فإنه يحذف عادة في الطبعات الشعبية.
كانت المشكلة التي تصدى لها أوغسطين هي أن يبين كيف يمكن التوفيق بين قدرة الله على كل شيء وبين حدوث الخلق على النحو الوارد في سفر التكوين، ومنذ البدء ينبغي التمييز بين فكرة الخلق اليهودية والمسيحية وبين تلك التي نجدها في الفلسفة اليونانية، فبالنسبة إلى أي يوناني في أي عصر من عصور الفلسفة اليونانية، يبدو من الممتنع تماما أن يكون العالم قد خلق من لا شيء. ووفقا لتصوره فإنه إذا كان الله قد خلق العالم، فلا بد أن يكون أشبه بالمعماري الذي يبني من مادة خام موجودة من قبل؛ ذلك لأن فكرة ظهور شيء من لا شيء كانت غريبة على المزاج العلمي للعقل اليوناني. أما إله الأناجيل فأمره يختلف؛ إذ ينبغي النظر إليه على أنه يخلق مواد البناء بالإضافة إلى تشييده للمبنى، ويؤدي الرأي اليوناني بطبيعته إلى فكرة شمول الألوهية
، التي يكون فيها الله هو العالم، وهي فكرة كانت في كل العصور تجتذب أولئك الذين يميلون بقوة إلى التصوف، وأشهر أنصار هذا الرأي بين الفلاسفة هو اسبينوزا. أما أوغسطين فيؤمن بصفات الخالق الواردة في العهد القديم، أي بإله خارج عن العالم، هو روح لا يسري عليها الزمان، ولا تخضع للعلية أو للتطور التاريخي. وعندما خلق الله العالم خلق معه الزمان، فنحن لا نستطيع أن نتساءل عما حدث قبل خلق العالم؛ إذ لم يكن هناك زمان يمكن أن نسأل بشأنه هذا السؤال.
والزمان في رأي أوغسطين هو حاضر ذو ثلاثة أوجه؛ فالحاضر الفعلي هو الشيء الحقيقي الوحيد، أما الماضي فيحيا بوصفه ذاكرة في الحاضر، والمستقبل يحيا بوصفه توقعا في الحاضر. ولا تخلو هذه النظرية من عيوب، غير أن أهميتها تكمن في تأكيدها الطابع الذاتي للزمان بوصفه جزءا من التجربة الذهنية للإنسان، الذي هو كائن مخلوق. لذلك فلا معنى، تبعا لهذا الرأي، من التساؤل عما جاء قبل الخلق. وفي وسعنا أن نجد تفسيرا ذاتيا مماثلا للزمان عند «كانت»، الذي جعله صورة من الصور الذهنية. وقد أدت هذه النظرة الذاتية بأوغسطين إلى استباق رأي ديكارت القائل: إن الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يشك فيه المرء هو أنه يفكر. إن الذاتية في نهاية المطاف نظرية لا تصمد أمام الاختبار المنطقي، ومع ذلك فقد كان أوغسطين واحدا من أقدر الفلاسفة الذين عرضوها. كان عصر أوغسطين يتميز بأنه العصر الذي سقطت فيه الإمبراطورية الغربية.
فقد استولى القوط بزعامة ألاريك
Alaric
على روما في عام 410م.
وربما رأى المسيحيون في ذلك عقابا يكفر عن خطاياهم، أما بالنسبة إلى العقل الوثني فقد كانت المسألة مختلفة؛ إذ إن الناس تخلوا عن الآلهة القدامى، فعاملهم جوبيتر بما يستحقون، وحرمهم من حمايته؛ لذا كتب أوغسطين كتابه «مدينة الله» لكي يرد على هذه الحجة من وجهة نظر مسيحية، وتحول هذا الكتاب خلال تأليفه إلى نظرية مسيحية كاملة في التاريخ. وعلى الرغم من أن الكثير مما يتضمنه هذا الكتاب لم تعد له الآن إلا قيمة تاريخية، فإن القضية التي دار حولها، وهي استقلال الكنيسة عن الدولة، كانت لها أهمية كبرى في العصور الوسطى، وما زالت لها أهميتها في بعض الأماكن حتى الآن. والواقع أن الرأي القائل إن الدولة ينبغي أن تطيع الكنيسة؛ لكي تصل إلى الخلاص، مبني على نموذج الدولة اليهودية في العهد القديم.
Bog aan la aqoon