ذاك الذي عظمت في الناس همته
وذاك يصلح للدنيا وللدين
صفات الزاهدين
من صفات الزاهدين الصالحين عرفان الجميل، وحمد الله على المحبوب والمكروه، والطاعة في الحسنات، والقناعة بالقليل، والإحسان إلى المعوزين، والأمانة في التقى، والإخلاص في العبادة، والصبر على الشدائد؛ فمن كانت هذه صفاته فهو المقبول، ولو كان ممن يلبسون الديباج، ويركبون الهملاج، ويفترشون الحشايا بالعشايا.
أما من كان التراخي في العبادة والحماقة من نقائصه، والشره والغدر من غرائزه، يحفظه القول الخفيف، ولا تشبعه كسرة من رغيف، ولا يقنعه إلا اللحم الغريض والخل الثقيف، ولا يطفئ ظمأه سوى الماء المثلج في الإناء الظريف، لا يصلي إلا وهو يروم كيدا بصلاته، فيخدع الناس بتعبده وصومه وزكاته، ويلبس ثياب الزاهدين تغريرا بالناظرين ممن لم يسبروا غوره، ولم يقفوا على كنه أمره، فتارك الصلاة عمدا أقرب منه إلى الله، ومرتكب الموبقات جهرا أحسن عاقبة، وأفضل مغبة.
الجواب المسكت
حكي أن رجلا من صغار العقول الألى قضوا أعمارهم في الخمر والزمر، وأفنوا أيامهم في النرد والقمر، مر بحقل من الحقول، فرأى باقة من الأزهار والورد بينها كالياقوت في النحور، وقد وضعت الباقة في حشيش أخضر، فقال الرجل: عجبا لهذا النبت! كيف يدنو من ذلك الورد الأزهر ولا هو في قيمته وقدره، ولا في لونه وطيب عبيره ونشره؟! فانتفض الحشيش وقال بلسان من الله عليه بالفصاحة والبيان: عجبا لك أيها الإنسان العاجز، كيف جاز لك أن تعترض وتناجز! ألست تعلم أنني وإن كنت خلوا من لون الزهر، ورائحة الورد والعطر، فإن هذا لا يقلل من قيمتي، ولا يستدعي استصغار شأني ومذلتي؛ لأنني بأمر الله نموت كما نما الورد بإذنه، وهو جل وعلا الذي أرسل على الأزهار الزاهية قطره ونداه كما جاد علي بغيثه ومزنه.
في الزهد والقناعة
الحكمة ومتاع الدنيا
روي أن ملكا من ملوك مصر خلف ولدين، فاختار أحدهما العلم حليفا، والكتاب أليفا، وانقطع يطلب الحكمة، فكان يلتقط دررها أنى وجدها، ويصل للوصول إليها ليله بنهاره، وأصائله بأسحاره، حتى برز في أقرانه، وفاز على إخوانه، فعقدت له الحكمة لواءها، وقلدته تاجها وصولجانها، وفتحت له العلوم كنوز أسرارها، فما زال يسرح في رياضها، ويمرح في غياضها، حتى صار فريد عصره، ووحيد دهره.
Bog aan la aqoon