زغرب البلاقيطي من فتوات حارتنا المعدودين، وهو خاتم الفتوات الكبار، فمن بعده لم تقم للفتونة قائمة تذكر.
رشيق، مديد القامة، أبيض الوجه، غزير الشارب، خفيف الحركة بالنبوت، لعيب، ولولا إيمانه - وهذا حقيقة - بأن هيبة الفتونة لا ترسخ إلا بالنصر ما خاض معركة قط، ويصادفه التوفيق في معاركه فيضرب فتوة الدراسة ويصرع فتوة العطوف، ثم يمتد ظله فوقنا كالشجرة السامقة بالفخر والطمأنينة، ونحبه جميعا ونتغنى بانتصاراته وننعم بأبوته اللطيفة، وهو يجلس كثيرا في المقهى ليتابع الحكايات، ويقرب إليه أهل النكتة والمنشدين والزجالين، أحييه على صغر سني فيرد التحية بذوق يبعث في أعماقي النشوة والأمل، وسلوكه معنا فريد غير مسبوق بشبيه، يفرض على جميع أعوانه أن يكسبوا رزقهم بعرق الجبين لا بالبلطجة، حتى هو نفسه يعمل تاجر جملة للمخدرات، ولا يطالب بإتاوة إلا للضرورة القصوى. •••
ولكن الفتونة هي الفتونة على أي حال.
فكلمة زغرب البلاقيطي هي الأولى والأخيرة في أي أمر من الأمور، والتحكم مر ولو كان طول العمر نتيجته، إنه يحذر الرجال من العربدة، ويمنع النساء من الزينة المفرطة، ويقيد حرية الغلمان في لعبهم.
ويغالي في التدخل فيما لا يعنيه حتى يحمل شاعر الرباب على التحيز لبطولة أبي زيد، ويبطل الزواج الذي يراه غير متكافئ، والطلاق الذي لا يعجبه وإن رضي به الطرفان، ولم يكن أحد يتجرأ على طلب الكراوية أو الأنيسون عند وجوده في المقهى لنفوره منهما.
وفي كلمة كبلنا بالأغلال رغم حسن نواياه وطيبة خلقه، وزاد من حرج الموقف تكاثر المتعلمين في حارتنا يوما بعد يوم، وشدة حساسيتهم، وحدة ألسنتهم. - اللعنة .. لم يبق إلا أن نتنفس بأمره. - إنه مستبد ولكنه عادل. - مستبد يعني أنه غير عادل.
يسمع ما لم يكن يسمع بحارتنا، لأول مرة نعاصر حملة على الفتونة في ذاتها، وبصرف النظر عن مزاياها، لأول مرة يقال إنه نظام بال، وإنه آن للشرطي أن يحمي العباد، لأول مرة يلعن الفتوة الطيب كما كان يلعن الفتوة الشرير.
ويترامى التهامس إلى زغرب البلاقيطي فيغضب ويصيح: أهذا جزاء من يعدل ويرحم يا أبناء الزنا!
ويتجهم وينذر بالعنف. •••
وتتوجه قلوب نحو هجار الأقرع.
Bog aan la aqoon