Sheekada iyo Waxa Ku Jira
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
Noocyada
ادرس موسيقى اللغة
من الصعب أن تجد كاتبا ليس شغوفا بالموسيقى، والأمثلة على هذا الشغف سنجدها عند كبار الكتاب أينما ولينا وجوهنا، بداية من حرص نجيب محفوظ على دراسة الموسيقى العربية وتعلم العزف على آلة القانون، وليس انتهاء بقدرة التشيكي ميلان كونديرا على دراسة تاريخ الرواية في الغرب مرتبطا بتاريخ وتطور الموسيقى الكلاسيكية، وقد صرح الكولومبي الشهير ماركيز في إحدى الروايات بطموحه إلى أن يكتبها وكأنها قطعة من موسيقى «البوليرو».
تظل الموسيقى لغة عالمية قادرة على تجاوز الحواجز والثقافات أكثر من أي فن آخر، وليس معنى شغف الكاتب بها هو ترجمتها إلى السطور؛ فهذه مهمة عبثية ومستحيلة، ولم يكن هذا مقصد ماركيز أو غيره ممن استلهموا أعمالا أدبية عن الموسيقى، بقدر ما هي محاولة للوصول إلى درجة من انسجام البنية، وتناغم الأصوات المختلفة، واستعارة الإيقاع المضبوط لحكاياتهم. وتظل مادة الكاتب هي اللغة، بكل ما تشتمل عليه هذه الكلمة الصغيرة من متاهات وألغاز؛ لذلك لا غنى عن دراسة موسيقاها الخاصة؛ صوت كل كلمة على حدة، ثم علاقتها ببقية الكلمات. استقامة الجملة نحوا وصرفا شيء أساسي، لكنه مجرد خطوة أولى نحو إنتاج النغم. طول الجملة، وكيف تبدأ وكيف تنتهي، وطريقة النسج والتوليف والتصعيد، كلها أمور يمكننا أن نتعلمها من الموسيقى بأنواعها المختلفة، ولكن سيكون لها معان أخرى عند تطبيقها مع الكتابة على السطور .
إذا بدا كل هذا الكلام غامضا بعض الشيء، وغير عملي، يمكنك أن تجرب القراءة لكاتب تعجبك أعماله، أعد قراءة نص تحبه له، وأنصت لما نسميه هنا بالإيقاع؛ العلاقات بين المفردات والجمل، وانتقالاته، أنصت لكل جملة جيدا، ثم اسمع فقرة كاملة في داخلك وتتبع صداها، هل كان يجري بك لاهثا، أم يتمشى بك بطيئا متمهلا، أم يرقص في موضعه بلا هدف غير المتعة؟ هل كان يستخدم مفردات غليظة الحروف والأصوات، أم اختار كلمات هامسة كالفحيح الناعم؟ هل كانت جمله قصيرة خاطفة كأنها طعنات سريعة، أم طويلة وملتفة حول نفسها مثل طرق ضيقة ووعرة؟ من هنا يمكنك أن تتخذ خطوة أولية بسيطة في فهم الموسيقى الخاصة باللغة وإيقاع السرد، وربما تكون الخطوة الثانية هي أن تحاول محاكاة أكثر من إيقاع مختلف لتشعر به بين يديك وعلى السطور، وتذكر دائما أنه لا يوجد إيقاع مثالي وصالح لكل الكتابات والنصوص والحكايات، وإلا لما استمع البشر طول تاريخهم إلا إلى لحن واحد يتيم.
اسمع واكتب
على سبيل التمرين، ولمزيد من الإحساس بمعنى الإيقاع، يمكنك أن تجرب أحيانا الكتابة بالاستلهام المباشر للموسيقى؛ أدر أسطوانة تلك الأغنية أو القطعة الموسيقية التي تحبها من زمن، ابتعد عن كل ما يشتت انتباهك وأنصت بانتباه، وتتبع ما تولد بداخلك من أحاسيس ومشاعر، انتبه للإيقاعات والنغمات، وانس الكلمات تماما؛ ركز على المزاج العام الذي تحمله لك الموسيقى، وكن حرا ومبتكرا في تأويلك له، ثم انطلق في كتابة حرة بينما تستمع للموسيقى ذاتها، ولاحظ أنك لا تترجمها إلى كلمات، بل تكتب انطلاقا بما توحي به لك، استمد سرعة أو بطء حركة يدك على السطور من إيقاعاتها، كأنك واحد ممن يعزفون هذه الموسيقى، ولكن بآلة موسيقية مختلفة، هي لوحة المفاتيح أو القلم والورقة، وبصوت مختلف، هو الكلمات والصور والمعاني. كرر هذا التمرين مع أنواع مختلفة من الموسيقى، ربما يكشف لك أسرارا عن نصوص سابقة لك قد كتبتها على أنغام بعينها، وربما ستعرف فيما بعد كيف تختار الموسيقى الملائمة لطبيعة نصك أو حكايتك، أو ربما تفضل فيما بعد السكون التام عند ممارسة الكتابة حتى تستكشف نوع الموسيقى الذي سوف ينبعث من داخلك، ويتخلل السطور والصفحات.
بين قوسين
عتبة دارك
لكل بيت باب، وللنص الأدبي أكثر من عتبة وباب، أهمها بعد العنوان مباشرة البداية والنهاية، باب للخروج وآخر للدخول، السطور الأولى والسطور الأخيرة، كل منهما يلعب دورا حاسما في تشكيل علاقة القارئ بقصتك أو روايتك، فيمكن لبداية غير موفقة أن تنفره من دخول عالمك تماما، وتكون طاردة للسكان من حكايتك. وفي المقابل، للنغمة الأخيرة في النهاية أهميتها في تحديد الأثر الأخير للحن، وإشباع توق القارئ وفضوله، وقد تكون أحيانا عتبة لقراءة النص نفسه من جديد، أو اتخاذ قرار إما بقراءة جميع أعمال الكاتب الأخرى، وإما عدم الاقتراب منه مجددا؛ لذلك كله لا بد من الانتباه الشديد لعتبات بيوتنا؛ قوسي البداية والنهاية.
باب الدخول
Bog aan la aqoon