Sheekada iyo Waxa Ku Jira

Muhammad Cabd Nabi d. 1450 AH
82

Sheekada iyo Waxa Ku Jira

الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)

Noocyada

جرب كتابة قصة صغيرة تدور في مكان عام، مكان واسع الأبعاد ومحتشد بالناس؛ مثل محطة قطار، أو سوق في قرية، أو مظاهرة في شارع عام. اكتبها في البداية دون أي إشارة إلى الأصوات المحيطة بما يحدث، صف الحركة أو الصورة إن شئت، لكن تجنب واعيا الأصوات من أي نوع. اقرأ ما كتبته الآن، إلى أي حد تفتقد هذه الصورة النثرية إلى الحياة؟ هل تبدو مثل فيلم صامت؟ هل تبدو كأنها ملاحظات شخص أصم على ما يراه؟ والآن، أعد كتابتها بإضافة كل صوت في هذا المكان، بعيد أو قريب، طبيعي أو صناعي، كلام أو صراخ أو موسيقى أو صفير. لا تفصل تلك الأصوات عن الصور التي قمت برسمها من قبل، زاوج بينهما بحيث تنطق الصورة بكل ما لديها، اقرأ الآن ولاحظ الفرق. تستطيع بالطبع أن تنتقي على الدوام، وألا تراكم كل الأصوات بعضها فوق بعض دون حاجة حقيقية إليها في سياق السرد.

صلة قرابة

لعل الكتابة في أحد أبعادها تشكيل صوتي، بما أن كل كلمة هي صوت، ما إن نقرأه حتى نسمعه بآذان خيالنا في رءوسنا؛ لهذا ولأسباب أخرى يمكننا أن نلمس صلة قرابة عميقة وقديمة بين الأدب والموسيقى؛ إذ كلاهما يلعب على عامل الزمن، ولو بطرق مختلفة. تستحق هذه القرابة منا وقفة مستقلة وشيكة. •••

في الفصل التالي وقفة مع العلاقة بين الموسيقى والكتابة.

اتبع صوت الموسيقى

تنبيه مبدئي

لا نتحدث هنا عن الموسيقى كعنصر درامي بداخل السرد، سواء أكانت تلك هي الموسيقى التصويرية التي تعزف بينما تجري وقائع حكايتك، فتستمع إليها شخصياتك، أم تلك التي يتحدثون عنها ويغرمون بها ومن خلالها؛ فهذه مسألة أخرى، لا تبتعد كثيرا عن موضوع شريط الصوت الذي أشرنا إليه سابقا. نتحدث هنا عن الإحساس الموسيقي في كتابة السرد، عن صلة القرابة القديمة والعميقة بين صوت الموسيقى وصوت راوي الحكايات.

كلمة السر: الإيقاع

لعل كلمة الإيقاع هي أكثر مفردة تتأرجح ما بين عالمي الموسيقى وكتابة السرد، أو الأدب عموما، نستبعد هنا بالطبع الحديث عن الشعر الموزون لابتعاده عن اهتمامنا من ناحية، ولوضوح علاقته بالموسيقى من ناحية أخرى. الإيقاع في الموسيقى مسألة صوتية بحتة؛ تنظيم الأصوات المختلفة في الزمن، أطوال الجمل اللحنية وحدتها وطبيعة العلاقة فيما بينها. في المقابل يتصل الإيقاع في السرد بالمفردات، وهي كائنات مرئية ومسموعة في الحين ذاته، نراها ونتخيل أصواتها في عقولنا، ونستشعر عندئذ مدى تدفق الكلمات على الصفحة، طبيعة العلاقات بين كل مفردة وأخرى، بين كل عبارة أو جملة وما يتلوها، فقرة ثم أخرى، وهكذا بتركيب اللغة ينتج الكاتب موسيقاه الصامتة على السطور، فيسرع الإيقاع حينا أو يتباطأ، يتحول صوت الراوي إلى الهمس أو الصراخ أو النشوة الضاحكة غير المبالية أو جفاف وحياد التقارير الحكومية؛ لذلك يقال إن لكل كاتب صوته الخاص، وربما لكل كتاب أيضا طموحه الصوتي الخاص، وآلاته الموسيقية التي يستعين بها في توزيع «ثيمته» أو لحنه الأساسي.

حتى مع روايات قرأتها ونسيت تفاصيل أحداثها إلى حد كبير، إذا كانت مكتوبة جيدا؛ أي إذا كانت مكتوبة بإحساس موسيقي ما، فسوف يتبقى بداخلك ذلك النغم الخفي الذي عشته خلال قراءتك؛ أصوات الكلمات وتركيب الجمل وبنية الفقرات والفصول، وكيف ينتقل بك الكاتب من جزئية إلى أخرى، ومن حالة إلى ما يليها. ينتج كل كاتب هذا الإيقاع، سواء أكان على وعي به أم لا، وكلما درب أذنه موسيقيا، وكلما أنصت - بينما يعيش ويقرأ كتابات الآخرين - إلى تلك الإيقاعات الواضحة والخفية، استطاع أن يعزف حكايته منتبها لطبيعة اللحن الخاص بها وضروراته، وواعيا بخصوصية المادة التي يشتغل عليها؛ أي اللغة كأصوات قبل أن تكون معاني مجردة.

Bog aan la aqoon