أما إقامته حروبا على أوروبا فلا معنى للومه على ذلك؛ لأن نابوليون لم يكن ليكون نابوليون لولا تلك الحروب؛ لأنه خلق كما ذكرت بطبيعته والوسط الذي نشأ فيه والظروف التي هيئت له قائدا محاربا، فلا يعقل أن يحرم من عنصر حياته الأول وهو الحرب التي كانت له بمثابة الماء للسمك.
أما عن طلاق جوزفين، فهذه سيئة ترد كثيرا على أفواه السيدات والصبيان لتشبع نفوسهم بالعواطف الرقيقة، ولكن البحث في هذا لا يدخل في مجال قول جدي.
على أن بونابرت مهما كان له من السيئات الصغرى التي لم نذكرها، إما جهلا منا بها، وإما صونا بسمعته، فقد كفر عنها كلها خلال السنين الست التي قضاها في جزيرة سانت هيلانة تحت رقابة الوحش الشيطاني هدسون لو، الذي سبق الكلام عليه، وكل ما يقال في هذا المجال أن نابوليون لم يخطر بباله أن يفر من تلك الجزيرة مع أن كثيرين عرضوا عليه ذلك، وأبى أن يخرج منها إلا حيا بشرف أو ميتا محمولا على الأعناق.
وكان الأنوك الغاشم هدسون لو يحرمه مشاهدة صورة ابنه الوحيد، أو التمتع بشميم خصلة من شعره، وكان يتعقبه بحرسه أنى ذهب. فلما أن لحقه المرض الأخير أبى عليه زيارة الطبيب، وكان إذا زاره الطبيب أوعز إليه أن يهيج غضبه باتهامه بتصنع المرض (راجع كتاب مرض الإمبراطور تأليف أنطوماركي).
وقد أرادت الأقدار أن يبقى اسم هدسون لو قرين اسم بونابرت، ولكن هذا الخلود يشبه خلود اسم إبليس مقرونا باسم آدم. •••
وخلاصة القول أن بونابرت كان بطلا من أعظم أبطال التاريخ الإنساني إن لم يكن أعظمهم، وأنه كان مدفوعا في كل أعماله بقوة خفية كامنة منه لا يمكن مخالفتها؛ فهو خلق ما خلق من الظروف والمهيئات، ودبر ما دبر من الأعمال والانتصارات؛ ظنا أنه يعد ذلك كله لنفسه بنفسه، ولكنه للغيرة كان آلة في يد القضاء، بل ممثلا صغيرا في ملعب الحياة الكبير، ومنفذا لأغراض أخرى غير الأغراض التي كان يراها، حتى إذا استغنت عنه العناية بعد أن خدعته تصدته وسلطت عليه أرباب الحرب، فغضبت عليه وقهرته وسلمته لأعدائه.
وهو يقول في أول مذكراته: «إن الناس ينسبون انتصاراتي لحظي، وغدا ينسبون فشلي لعيوبي، وحقيقة الأمر أنني لم أتغير ولكن الحظ نفسه هو الذي تبدل.» وكأنه بهذه العبارة قد شعر بأنه لم يكن إلا أداة في يد القدر.
فليكن بونابرت المثل الأعلى
Idéal
للبشر؛ فإنه خير من يقتدى به في قوة الإرادة وحب العمل وتذليل المصاعب والدوس على العقبات، وليكن عبرة لمن لا يفطنون إلى حقيقة حالهم وضعف حولهم إلا بعد فوات الفرص.
Bog aan la aqoon