6
وقد وافق كثير من علماء أوروربا المستشرقين على رأي هذا العالم، وعضدهم في ذلك أيضا كثير من الروسيين العقلاء ذوي الأفكار السامية؛ مثل: فلاديمير سولوفييف، وبيترون.
والعالمة المشهورة مدام ليبيديف التي تقيم معظم السنة في القاهرة، ويعرفها كثيرون من أفاضل ونبلاء وعلماء المصريين، فإنها وضعت عدة كتب بلغات مختلفة؛ دافعت بها عن الدين الإسلامي دفاعا شديدا، وأظهرت فضله، ولحضرتها مؤلفات كثيرة بشأن المرأة حرية بالمطالعة والاعتبار.
ولكن مع الأسف نقول: إن سواد الناس الأعظم لم يزل على غيه تائها في فيافي الضلال، ولا يجنح إلى الحقيقة الثابتة التي أيدها علماؤه وقادة الأفكار منهم، بل ما زال رازحا تحت نير اعتقادات وخرافات القرون الوسطى بشأن محمد وتعليمه، ناسيا ضعف الأمم الإسلامية في عصرنا الحاضر، وانحطاطهم السياسي والأدبي، والاختلاف العام فيما بينهم إلى الإسلام، وجاهلا بأن كل إنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يلعب على الدوام دور النجاح والتقدم، وأن الديانة ما هي إلا شيء مستقل مجرد عن كل قوة لا تستطيع تحسين حالة الحياة، ثم إنه وأخيرا لا بد من حصول الشقاق المتبادل الدائم بين المتدينين بالديانات المختلفة، ولو كان ذلك بطريقة غير محسوسة ، لكنه دائم الحركة المشتركة بين المتحالفين في المعتقدات، وكل ديانة كما لا يخفى تكون في أول ظهورها محركا قويا تدب روح الحركة في قلوب الذين يتبعونها؛ وذلك على قدر ما يكون لها من الثأثير الروحي والمادي في نفوسهم، ولكنها - أي الديانة - تتقلب مع مرور الزمان في أدوار مختلفة بحسب حالة تابعيها من العلو والانحطاط؛ فتعتز وتعلو بعلو شأنهم، وتنحط بانحطاطهم، ويدخل عليها في الحالة الأخيرة الفساد، وتشوه الاختلافات التي تدخل عليها وجه حقيقتها، وتزعزع أساس جوهرها، وهذا هو السبب الوحيد والبرهان الفرد على ظهور البدع والشيع المتعددة في هيكل الديانة الواحدة، وكذلك دخول الفساد على تعاليمها وتفاسيرها، ولو قابلنا حالة الديانة المسيحية بحالتها في القرون الوسطى، وفي أيام الإصلاح، وأيامنا الحاضرة؛ لظهرت لنا بأجلى بيان تلك الأدوار المختلفة التي كابدتها، وما دخل عليها من التغيير والفساد والتفاسير المتناقضة المتباينة؛ مع أنها ديانة مبنية على أساس متين واضح، ومثل ذلك جرى للديانة الإسلامية؛ بقطع النظر عما دخل عليها من البدع والتفاسير التي لا تطابق حقيقة جوهرها، وليست منها في شيء.
هوامش
Bog aan la aqoon