لا توجد مقاطعة في أنحاء المعمورة تقضى فيها حقوق أهاليها بشأن الإرث حسب نصوص شريعة الديانة المتدين بها أهل تلك المقاطعة الخاضعون لمملكة متدينة بدين يخالف دينهم، ففي الجزائر والهند تستعمل محاكمها الشريعة الإسلامية في قضايا الوطنيين الأصليين فقط، وأما في سائر أنحاء فرنسا وإنجلترا فإن المسلمين يرثون حسب نظام قانون نابليون، والقوانين المدنية للبلاد التي يقيمون بها، غير أن روسيا شذت عن هذه الطريقة ففيها وحدها يرث المسلمون حسب نصوص الشريعة الإسلامية، وقضاة محاكمها مأمورون بالسير على تلك الشريعة المرعية في محاكمنا من عهد بعيد، ومصرحة في البند 1338 وما بعده من بنود المجلد العاشر من القانون المدني، ومشروحة شرحا واضحا لا يدع أثرا للريب في النفوس.
ومع ذلك فإني أقول: لقد حان لحكومتنا أن توجه التفاتها إلى الصعوبات التي تنجم عن استعمال تلك الشريعة التي لا يبررها بند القانون القائل باستعمالها بالنظر لعدم مطابقتها للعقل.
ولقد ظهر من آخر إحصاء أن نسبة عدد المسلمين 11 في المائة من جميع الأهالي الروس،
1
منهم ثلاثة في المائة من مسلمي أوروبا بروسية، والباقون في أملاك روسيا في آسيا، ثم إنه في بعض ولايات روسيا يكثر عدد المسلمين حتى إنه يبلغ عدد نصف الأهالي؛ كولاية أوفا، وفي بعضها يقل عددهم.
ففي قضايا ميراث ومخاصمات المسلمين تسير المحاكم الروسية حسب نصوص الشريعة المحمدية، وذلك مما يدعونا إلى إنعام النظر في هذا الأمر.
إن المسلمين القاطنين في روسيا وأوروبا يخضعون دينا لرئيسين روحيين عظيمين: أحدهما يقيم في ولاية القرم، والثاني في ولاية أورنبرج، وأما مسلمو القفقاس فينقسمون إلى قسمين: سنية، وشيعية؛ يقيم رئيساهما في مدينة تفليس عاصمة تلك البلاد، ورؤساء الدين هؤلاء يقضون في مصالح المسلمين؛ من زواجهم، وأحكام دينهم، وإرثهم، وإنما في قضايا الإرث يكونون كوسطاء للتراضي والصلح بين الورثة، وإذا لم يستطيعوا ذلك فالورثة يترافعون أمام المحاكم الروسية التي تحكم لهم حسب نصوص الشريعة الإسلامية كما قدمنا، وإذا أجلنا الطرف في هذا النظام المطابق لنصوص المجلد العاشر بخصوص إرث المسلمين فلا يبقى في نفوسنا ريب أن هؤلاء يترافعون في مسائلهم الدينية لدى أئمتهم الذين يؤلفون محكمة لا يقبل حكمها النقض والإبرام، وأما في القضايا العامة - وعلى الأخص قضايا الإرث - فإنهم يترافعون أمام المحاكم الروسية التي تقضي لهم أيضا حسب نصوص شريعتهم المرعية الإجراء، والموضوعة بين بنود قوانيننا الخاصة بالمسلمين، وعليها ذيول شتى بخصوص إرث المسلمات لأزواجهن، وهنا نورد نص الفقرة الأخيرة من قانوننا الذي يصرح بذلك في قوله: «في قضايا إرث المسلمين وكذلك في جميع قضاياهم العامة ينبغي على القضاة الروس أن يسيروا طبقا لنصوص الشريعة الإسلامية، ولا أدري لماذا تفضل حكومتنا المسلمين على اليهود من رعاياها مع أن تلمودهم يتضمن شرائع مختلفة ونواميس متعددة لجميع ظروف وأحوال اليهود المدنية والدينية، وإذا فرضنا بأن ذلك التفضيل ناجم عن حصول المسلمين عندنا على حقوق وامتيازات أكثر من اليهود، وأن شرائع التلمود غير وافية أو تامة كالشريعة المحمدية؛ فإنه كان يمكننا الوقوف عند هذا الحد في الكلام، ونرضى بسير الأحكام التي ذكرناها على محورها ومجراها، غير أن محاكمنا لحد الآن لم تتمكن من السير على قاعدة معلومة محدودة؛ لكي تقوم بما عهد إليها من الواجب الملقى على عاتقها؛ ذلك لأن قوانين الشريعة الإسلامية غير مرتبة الوضع، ومن جهة أخرى فإنه لا توجد في بنود نظاماتنا صراحة ترشد القضاة إلى طريقة معلومة ليسيروا بموجبها، وتلك النظامات الإسلامية المعروفة بالشريعة تؤلف مجموعة أجوبة مختلفة لأسئلة متعددة بخصوص الحقوق والأحكام، قد وضعها ألوف من المتشرعين المسلمين، وكلهم من رجال الدين الذين وضعوها باللغة العربية طبقا لأحكام القرآن ونصوصه، وقد اجتمع من هذه القواعد والأجوبة منذ ظهور الإسلام حتى يومنا هذا عدد لا يحصيه حاسب، وقد اجتهد علماء العرب في جمع شتات قواعد تلك الشرائع في مجموعات خاصة؛ بقصد نشرها، وتسهيل وجودها، والرجوع إليها عند مسيس الحاجة، وترجم أكثر هذه الكتب إلى اللغتين: الفرنسية، والإنكليزية؛ وإنما لم يترجم منها إلى اللغة الروسية سوى الكتب الآتية:
أولا:
مجموعة عقائد الشيعيين وشرائعهم ترجمة الأستاذ ميرزا قاسم بك في عامي 1862 و1863.
ثانيا:
Bog aan la aqoon