قال خالد بن حيان عن زيد بن راشد عن الحسن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: مسكرا ولم يقل خمرا. ولكفى من الخبر في تحريم الله من الأشربة لجميع السكر بقوله سبحانه في التنزيل، وهو يذكر النعمة فيما أخرج لعباده من ثمر الشجر المأكول: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} [النحل: 67] فقدم السكر وأعلم عباده أنه عنده من المسخوط المنكر بكلام بليغ عند العرب يفهمونه من المقدم والمؤخر، لأن ذكر المسكر في هذه الآية بعد ذكر النعمة في مأكول الثمر من الكلام المفهوم عند العرب تقدم أو تأخر، كأنه عني سبحانه ومن ثمرات النخيل والأعناب رزقا حسنا، تذكيرا لهم بالنعمة في حسن الرزق، ثم قال تتخذون منه سكرا، سخطا منه تعالى بما يصرف الثمر إليه أهل الفسق من تهيئته مسكرا، إذ كان المسكر عند الله مسخوطا منكرا، وإنما نزل القرآن باللغة العربية التي هي أبلغ عند العرب في البيان، فيؤخر عن موضعه، ومعناه متقدم مع أول الكلام في مكانه، إذ كان أبلغ في اتساق بلاغة اللسان، وما هو عند العرب أجود في تصريف نظم البيان، كقوله سبحانه: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى}[طه:129] فآخر هذا الكلام مع أوله، وإن كان قد دخل بينه نظم البلاغة وفرق بين فواصله، فإنما أراد تبارك وتعالى: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما.
Bogga 53