«أما بعد فإني لم آلك في كتابي إليك ونفسي خيرا. إياك والاحتجاب دون الناس، وأذن للضعيف وأدنه حتى ينبسط لسانه، ويجترىء قلبه، وتعهد الغريب فإنه إذا طال حبسه وضاق إذنه ترك حقه، وضعف قلبه، وإنما أثوى حقه من حبسه. واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء. وإذا حضرك الخصمان بالبينة العادلة والأيمان القاطعة فأمض الحكم. والسلام» .
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري:
«آس بين الناس في نظرك وحجابك وإذنك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. وأعلم أن أسعد الناس عند الله تعالى يوم القيامة من سعد به الناس، وأشقاهم من شقوا به» .
وروى الهيثم بن عدي عن ابن عباس قال: قال لي عبيد الله بن أبي المخارق القيني:
استعملني الحجاج على الفلوجة العليا، فقلت: أما هاهنا دهقان يعاش بعقله ورأيه؟ فقيل لي: بلى، هاهنا جميل بن بصهرى. فقلت: علي به. فأتاني فقلت: إن الحجاج استعملني على غير قرابة ولا دالة ولا وسيلة، فأشر علي. قال:
لا يكون لك بواب حتى إذا تذكر الرجل من أهل عملك بابك لم يخف حجابك، وإذا حضرك شريف لم يتأخر عن لقائك ولم يحكم على شرفك حاجبك. وليطل جلوسك لأهل عملك يهبك عمالك، ويبقى مكانك ولا يختلف لك حكم على شريف ولا وضيع، ليكن حكمك واحدا على الجميع، يثق الناس بعقلك. ولا تقبل من أحد هدية فإن صاحبها لا يرضى بأضعافها مع ما فيها من الشهرة.
قال موسى الهادي لحاجبه: لا تحجب الناس عني، فإن ذلك يزيل التزكية، ولا تلق إلي أمرا إذا كشفته وجدته باطلا، فإن ذلك يوتغ المملكة.
Bogga 567