قلت ممازحا: «الشغلة أولويات.» - «لا بأس. أعتذر عن إزعاجك، فقط أريد أن أتأكد من شيء، هناك طالب بجامعة الخرطوم اقتصاد المستوى الأول، اسمه «عمار سليمان»، هل كان أحد مرضاك؟» - «نعم، ولكن لماذا؟» - «اتصل بي زميل من مشرحة مستشفى الخرطوم صباحا، يريدون أن يعرفوا إذا كنت تعرف أحدا من أسرته أو أقربائه، لقد توفي صباح اليوم!»
2 «يقولون إنك ألقيت بنفسك في النيل. لماذا فعلتها، ومثلك لا ينتحر؟»
أردد العبارة فيما يشبه الذهول، ثم أحملق في الظل المنبجس أمامي من العدم، فأراه واقفا يشد قامته إزائي، ينظر لي بهدوء بوجهه الصلب البارد الخالي من التعابير، ويقول لي، وهو يصافحني ويشد على يدي: «برغم كل شيء؛ فقد ساعدتني كثيرا يا دكتور، وإني لك من الشاكرين.»
أقول له مدافعا عن نفسي: «لكنك أنت من طلبت الإجابات. طلبت الحقيقة، ولم تعلم أن الحقيقة ستزلزل كيانك وإيمانك. لقد سممت روحك، ودفعتك إلى التخلص من جحيم المعرفة بالانتحار. إن المعرفة تقتل، الضباب هو ما يجعل الأشياء تبدو ساحرة.
قالها أوسكار وايلد من قبل وأراه محقا.»
يتجول في العيادة بلا اكتراث، ويداه معقودتان خلف ظهره، ويقول دون أن يلتفت لي: «ظننت أنه يوم القيامة. كانت النيران هائلة، والصراخ رهيبا، ورائحة الموت تعبق في المكان وتزكم أنفاسي.»
ثم بالتفاتة حادة إلي يضيف: «كانوا يكبرون ويهللون، وهم يتناوبون على اغتصاب النساء، هل تعلم هذا؟» «عمار» الطفل يحمل أخته على كتفه، وهو يجري هربا من الموت المتربص في كل خطوة. يجري ويبكي عبر الدخان والنار، ووسط شهقات الاحتضار.
ببراعة يقهر الموت ويفلت من قبضته المستبدة.
ثم تموت أخته موتا بطيئا مؤلما، ويرتمي هو في أحضان الموت فيما بعد طائعا مختارا آسفا، متأثرا بجراح ذكراه.
يمد الموت لسانه ساخرا، ويضحك في عبثية.
Bog aan la aqoon