صلى الله عليه وسلم ).»
قال «عمار» مصححا: «تلك آية قرآنية، وليست حديثا نبويا.» - «ما اختلفنا»، ورشف رشفة سخية من كوب الشاي «لكنني لن أقع في مثل هذا الفخ. أكتفي بالنظر وحفظ كل شيء هنا»، وأشار لرأسه «كله يحفظ في هذه الفلاشة الربانية، أعيد تشكيله فيما بعد كيفما شئت عندما أنفرد بنفسي في الحمام، تلك اليد الجميلة يمكنها أن تتحول إلى أي فتاة أشاء.»
وراح يقهقه بذات الضحكة المجلجلة، وهو يلوح بيده اليسرى أمام وجه «عمار» المتقزز. - «عليك اللعنة. أنا أستعمل معك ذات الحمام.»
قالت «ميري» ضاحكة: «لا تدع صاحبك المستمني هذا يلوث أفكارك، إنه معقد من جنس البنات لأنه لا يجد أي فتاة تقبل به.»
قال «إبراهيم» في حدة: «بل لا توجد فتاة أقبل أنا بها.» - «عليك النبي!» - «وحياتك يا ميري»، ورشف المزيد من الشاي «محسوبك معشوق الجنس اللطيف في الكلية، كلهن رهن إشارة مني، لكنني لا أريد، لا أميل لتلك السحالي الملطخة بالأصباغ المنتفخة بالمركبات الكيميائية، وهل هذا جمال يغري؟ لا يوجد جمال طبيعي كالذي يوجد من حيث أتيت.» - «الكديس لما ما يلقى اللبن بقول مسيخ. قل إنك لا تقدر عليهن وتتحجج بهذه الحجج الخائبة.»
قال «إبراهيم» في تحد: «هل تريدين تجربتي يا بنت ملوال، حتى تتأكدي بنفسك.»
ابتسم «عمار» خجلا، وضحكت «ميري» حتى بانت أسنانها الدقيقة المتراصة في عناية. كانت ذات جسد نحيف ممشوق وأطراف طويلة، ليست جميلة على نحو خاص، لكن لا يمكنك نعتها بالقبح بضمير مستريح، تملك نوعا من الكاريزما المبهمة غير واضحة المعالم، جاذبية خاصة تنبعث منها كالسحر عندما تتحدث بصوتها الأجش، ولهجتها التي تأخذ فيها من اللغة أساسياتها، ولا تراعي فيها تصريفات الأفعال، أو دقة نطق الضمائر، أو ما اصطلح الشارع على تسميته بعربي جوبا.
لا أحد يعرف متى قدمت للخرطوم تحديدا، ولا متى بدأ نشاطها أمام الجامعة، لكنها كانت دوما موجودة هناك. هي نفسها لا تذكر متى قدمت للعاصمة تحديدا، تسميه يوم الكتاحة؛ فقد كانت هناك عاصفة ترابية هائلة تجتاح العاصمة عند قدومها، اعتبرته نوعا من الترحيب الحكومي - وربما الإلهي - احتفاء بقدومها إلى مدينة صنع القرار. أو كما تقول «محل الطيارة تقوم والرئيس ينوم». تعرف أنها قررت شد رحالها بعد وفاة زوجها منذ سنوات إثر إحدى غارات الجيش على مواقع تمركز كتيبتهم في الجنوب، قبل أن تضع الحرب أوزارها لاحقا ببضع سنوات. وقد ترك لها طفلا وحيدا جميلا أشعرها بالإحباط والمسئولية، فلم تعد حرة بعد اليوم، فكرت في البداية في التخلي عنه وتركه لعمها «بيتر» ليشتد عوده قليلا، ثم يلحقه بالجيش المحلي الذي يحارب الحكومة، لكنها - وفي نفس الليلة التي قررت فيها ذلك - رأت فيما يرى النائم السيد المسيح (عليه السلام) يزورها في منامها، هابطا من السماء وسط هالة نورانية مقدسة باسطا يديه أمامه، بينما صوت الجوقة الكنسية يدوي مرتلا لحن «المجد لله في الأعالي»، بصوت الأخت «تابيتا»، وقد خيرها إما أن تبيع بيرة الكويتي، وهي بيرة منزلية تصنع من دقيق الذرة، أو العرقي الذي تقطره من البلح، أو تذهب وتبحث عن عمل ما في الخرطوم، لكنها لن تتخلى عن الطفل بأي حال من الأحوال، فسيكون له شأن عظيم مستقبلا.
اجتهدت في تربيته منذ ذلك الوقت.
ولما لم تكن قد حصلت على أي تعليم يذكر، لم تجد بدا من صناعة الشاي والقهوة ومشروب الكركدي الساخن لطلاب الجامعة، منذ ذلك الوقت. وقد تعلمت كيف تتحدث وتتعامل ببذاءة الرجال حتى تمنع تحرشات الطلاب المتدفقين بفعل هرمونات البلوغ بها، فلا شيء يغري الرجل أكثر من المرأة المستسلمة الضعيفة، ولا يخيفه شيء أكثر من المرأة القوية التي لا تخشاه، وتعرف كيف تتحدث وتتعامل مثله، وربما ألعن منه. وقد ساعدها صوتها المبحوح الذكوري وطلاقة لسانها في مسعاها على ما يبدو.
Bog aan la aqoon