توقف رجل أربعيني في منتصف الميدان يصرخ في الجموع التي راحت تتدافع حوله، ويدعوهم لعدم الهروب، لكن بدا ألا أحد يستمع أو يعيره انتباها.
ووجدت نفسي أجري بلا تفكير. أمامي شاب ساقطا على ظهره، وقد تحول صدره إلى كتلة ضخمة من الدماء، لم أكن أعرف أن جسد الإنسان يحتوي كل هذا القدر من الدماء. قفزت من فوقه مواصلا الجري.
أصوات الصراخ والاختناق لا تطاق.
كنت أجري مع مجموعة صغيرة؛ للوصول لأحد الأحياء المحيطة بالميدان، ولا أسمع سوى صوت لهاثي. لا أثر لعمار أو محمود.
آخر الميدان، فالترعة، فالشارع الرئيسي.
ومن لا مكان ظهرت سيارة مكافحة الشغب كالكابوس وهي تسد الطريق، ورأيت الجنود يقفزون منها بسرعة، وهم يحملون الدروع الزجاجية الضخمة يحتمون خلفها، ويوجهون فوهات بنادقهم نحونا في تحفز. «لا فائدة من الجري» قلت لنفسي، عرفت أنهم سيطلقون علي الرصاص في ظهري فورا لو حاولت الهروب، هكذا خررت على الأرض على ركبتي رافعا يدي للأعلى مستسلما.
لا فائدة من المقاومة أو أي محاولات بطولية. لا أريد أن أموت اليوم.
كنت متعرقا بشدة، مرهقا بشدة، وألهث ككلب مشرد في يوم قائظ لا ظل فيه. أشعر بأن بقايا دخان قنابل الغاز يحرق أمعائي، أريد هواء، أريد أن أتنفس يا ولاد الكلب.
وعندما عبرت العربة المدرعة جسر القوات المسلحة، وتوجهت ناحية موقف شندي، لم أكن أعرف أنني سأرى أحد بيوت الأشباح للمرة الأولى في حياتي.
2
Bog aan la aqoon