كان بمقدوره أن يجيب بسخرية واستعلاء أكثر، وهما ربما يمثلان مفهومه عن المشاكسة، ولكني أظن أنه لو حدث ذلك بالفعل لارتديت معطفي وغادرت المنزل في ذلك البرد القارس. وربما فطن هو إلى ذلك؛ لذا راح يتحدث عن عمليات رأب الصدر، وكيف أنها ليست سهلة على المريض مثل انكماش الرئة أو انخماصها وغير ذلك من الأمور المعروفة جميعها حتى لدى أبقراط. كما أن استئصال أحد فصوص الرئة أصبح أيضا أمرا معروفا وشائعا في الآونة الأخيرة.
قلت: «لكن ألا تفقد بعضا منهم؟»
لا بد أنه اعتقد أن الوقت مناسب للمزاح ثانية.
قال: «بالطبع، إنهم يهربون ويختبئون وسط أشجار الغابة، ونحن لا ندري إلى أين يذهبون، أو إن كانوا يقفزون في البحيرة. أم أنك تقصدين أن منهم من يتوفى؟ هناك حالات لا تنجح. نعم.»
لكنه أضاف أننا في طريقنا لاكتشافات كبيرة؛ فالطريقة التي تجرى بها العمليات ستصبح قديمة كطريقة الفصد؛ فهناك عقار جديد في طريقه للظهور، وهو عقار الستربتوميسين، الذي كان في مرحلة التجربة. وكانت هناك بعض المشكلات التي يسببها وهذا أمر طبيعي؛ فهو يؤدي إلى تسمم الجهاز العصبي. لكن بالقطع ستكون هناك طريقة لتلافي ذلك. «سيفقد بعض الجراحين أمثالي وظائفهم بسبب تلك الاكتشافات.»
غسل الأطباق وجففتها أنا، وقد وضع مئزرا حول خصري حتى لا يتسخ ثوبي، وعندما عقد طرفي رباط المئزر جيدا، وضع يده أعلى ظهري. شعرت بضغطة يده وملمس أصابعه المتفرقة؛ ربما كان يتفحص جسدي بطريقة ماهرة. وعندما أويت إلى الفراش في تلك الليلة، كنت لا أزال أستشعر ضغطة يده هذه، وشعرت كيف أن قوتها قد زادت بدءا من إصبع الخنصر وحتى إصبع الإبهام. لقد استمتعت بذلك؛ كان ذلك بالنسبة إلي في واقع الأمر شيئا أهم من تلك القبلة التي طبعها على جبيني فيما بعد، في اللحظة التي سبقت مغادرتي لسيارته. كانت قبلة جافة سريعة ورسمية، أعطاني إياها على عجل. •••
رأيت مفتاح منزله ملقى على أرض غرفتي؛ فقد دسه من أسفل الباب عندما كنت خارج الغرفة، لكني لم أستطع استخدامه على أية حال. لو أن أحدا آخر قدم لي ذلك العرض، لكنت قبلت تلك الفرصة على الفور، خاصة إن كانت هناك مدفأة؛ لكن في تلك الحالة، فإن تعامله السابق والمستقبلي سينزع كل الشعور العادي بالارتياح من الموقف، ويستبدل به نوعا من المتعة المحدودة والمجهدة للأعصاب بدلا من أن تكون كبيرة؛ فلن أتوقف عن الارتعاد حتى عندما لا تكون هناك برودة، ولا أدرى إن كنت سأستطيع قراءة ولو كلمة واحدة من تلك الكتب. •••
ظننت أن ماري قد تظهر كي توبخني بسبب عدم حضوري لمسرحية «بينافور»، وفكرت أن أقول لها إنني لم أكن على ما يرام، وإنني قد أصبت بنزلة برد، لكني سرعان ما تذكرت أن نزلات البرد كانت بالأمر الخطير في هذا المكان؛ حيث يستوجب ذلك ارتداء الأقنعة واستخدام المطهرات والإقصاء . وسرعان ما أيقنت أنه لا فائدة من إخفاء زيارتي لمنزل الطبيب بأي حال من الأحوال؛ فلم تخف الزيارة على أحد، حتى بالطبع عن الممرضات اللائي لم يتفوهن بكلمة بشأنها، وذلك إما بسبب الغطرسة والتحفظ الشديدين من جانبهن، وإما لأن مثل هذه الأشياء لم تعد تثير اهتمامهن، لكن الممرضات المساعدات تعمدن إغاظتي. «هل استمتعت بطعام العشاء الليلة السابقة؟»
لكن كانت نبرة صوتهن ودودة، وبدا أن الأمر يروق لهن، وكأنما اتحد أسلوبي الغريب مع طريقة الطبيب الغريبة التي يألفونها، بل يكنون لها أيضا كل احترام، وكان هذا شيئا جيدا ويصب في مصلحتي. وارتفعت أسهمي في المكان؛ فقد أصبحت الآن - بغض النظر عما كنت قبل ذلك - امرأة لها رجل يهتم بها.
لم تظهر ماري طوال الأسبوع. ••• «موعدنا السبت القادم.» كانت تلك هي الكلمات التي قالها حتى قبل أن يشرع في تقبيلي، وهكذا انتظرت ثانية عند الشرفة الأمامية، لكنه لم يتأخر عن موعده هذه المرة. استقللنا السيارة حتى منزله، واتجهت أنا صوب الغرفة الأمامية بينما كان يشعل النيران في المدفأة، ولمحت هناك المدفأة الكهربائية التي علاها الغبار.
Bog aan la aqoon