وقد أخبرني علي بك فوزي أنه عرض عليه بعد وفاة عنايت خان أن يرأس هذه الجمعية فأبي، لأنه لا يحب أن يتقيد بالتقاليد والشعائر على أي شكل كانت.
منشأ عذاب هذا الرجل وشقائه، رقة إحساسه ودقة شعوره إلى حد بالغ.
السبت 14 يوليو
ذهبنا عصرا إلى «يلدز» قصر السلطان عبد الحميد، وقد كان كعبة القاصدين وملعب السياسيين ومخبأ الدساسين، تصدر عنه القرارات الهامة التي تحرك العالم الإسلامي وترسم خططه وتقرر مصيره. يلتقي فيه دهاة الغرب بدهاة الشرق، بالدجالين والمخرفين، بالمصلحين والمفسدين، وتسرح فيه الغانيات الجميلات والمماليك السود والبيض.
سراي كبيرة على البسفور، أقيم عليها من جانب البحر سور ويلي السور شارع وعلى جانبي الشارع أقيمت أمكنة للحرس، ثم السراي.
كان دليلنا عبد الله أفندي رجلا سودانيا طويل القادمة، خدم في السراي أربعين سنة، وهو يترحم على الأيام الماضية، أيام العز والمجد، ويأسف لضياعها وضياع الإسلام، سراي فخمة، وحدائق لا يرى الطرف منتهاها؛ وتمشي من أولها صاعدا نحو ثلث ساعة حتى تصل إلى باب البناء، هذا بناء أعد للضيفان والزائرين، رأينا منه حجرة كانت معدة لأكل الضيوف في عهد السلطان، وهي حجرة بديعة في حليتها وجمال صنعتها، قد عريت من أثاثها فلم يبق فيها إلا مرآة كبيرة، وأشار عبد الله أفندي إلى حجرة أخرى أكبر منها تسع أضعاف ما تسعه الأولى ولكنها مغلقة، وأخبرنا أن كل أثاث السراي قد نقل، وأن بناء الحريم الذي كان يسكنه السلطان قد احترق أيام الحرب.
ورأينا فسقية كبيرة في الحديقة قال لنا عبد الله أفندي؛ إنه منذ أيام قليلة زارنا الخديو عباس، ووقف عند هذه الفسقية، وحكى لنا أنه حين ولي على مصر حضر إلى الآستانة وجلس مع السلطان عبد الحميد بجوار هذه الفسقية هو وأمير بلغاريا، وإذ ذاك أنعم عليهما السلطان، ثم ترحم على تلك الأيام، وظهر على وجهه الحزن والأسف، وهكذا الدنيا وهم خادع وظل زائل.
الاثنين 16 يوليه
قررنا السفر والعودة إلى مصر، فأخذنا السيارة إلى الجمرك ومنه ركبنا السفينة واسمها «الروضة» فكانت مدة إقامتنا بالآستانة نحو أربعين يوما.
فلأنظر نظرة عامة في الرحلة، أنفقنا نفقات كثيرة في الأيام الأولى، لأننا كنا نجهل كيف نعيش، وكان يصحبنا دليل سوري أثقلنا بأحاديثه وتكاليفه فاستغنينا عنه.
Bog aan la aqoon