رأيت مذكراتي مملوءة بالذهاب كل يوم صباحا أو صباحا ومساء إلى مكتبات الآستانة، وقد كان هذا عملنا الرسمي في الرحلة وما أثقل الرسميات! إنها عمل آلي لا دخل للقلب فيها وإن استفدنا كثيرا منها، فقد قلبنا الكتب وتغلغلنا في المكتبات وفتحت لنا منها ما لم تفتح لغيرنا، ودونا أسماء الكتب القيمة التي عثرنا عليها ووصفناها وقيدنا أرقامها، ولما عدنا إلى مصر قابلناها بما في دار الكتب واستبعدنا الموجود وكتبنا تقريرا بما عثرنا عليه من جديد، وأودعنا منه نسخة في دار الكتب لتستفيد منه وقدمنا نسخة أخرى لسمو الأمير صاحب الفضل على الرحلة ولكن ليست هذه هي الرحلة فلا أطيل على القارئ بتفصيلها.
إنما كان أهم ما في الرحلة يوم نخرج لا لغاية، ونتجول في الشوارع لا لغرض، ونزور القرى والضواحي ليتفتح قلبنا، ونرى الناس غادين رائحين ونحن مندمجون فيهم لا نعرف أحدا ولا يعرفنا أحد، فيعجبنا منظر نقف عنده ما شئنا ونسير حتى نتعب ونركب حتى نمل ونخزن في أنفسنا ما نعي وما لا نعي. وقد نسمع كلمة عابرة من رجل تدلنا على الشيء الكثير.
زرنا مرة مسجد السلطان أحمد وهو مسجد كبير عظيم، وقابلنا بوابه فوقف يرثي لحاله وحال الدين في العهد الجديد ويقول بلسانه التركي: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما كان. يقولها ويلتفت عن يمينه ويساره خوفا من أن يسمعه احد.
ورأيت شخصيات أعجبتني - رأيت رجلين ألمانيين مستشرقين
1
يعيشان للكتب العربية وللعمل العربي، لا لذة لهما إلا هذا في الدنيا، صباحهما في المكاتب ومساوئهما على مكتبيهما يقرآن ويصححان. أحدهما يحضر بحثا في المقامات
2
فيجمع المقامات التي كتبت من عهد البديع إلى اليوم، ويصنفها ويتفهمها ويعلق عليها. والثاني
3
مشغوف بكتب المذاهب الدينية، فهو ينشر كتابا لأبي الحسن الأشعري
Bog aan la aqoon