Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
هذه كانت خطة إنجلترا مع مستعمراتها وأملاكها التي يسكنها أوروبيون أو قوم متسلسلون من أجناس أوروبية، أما المستعمرات الأخرى كالهند وأفريقيا الشرقية فكانت لها شئون أخر. غير أنه لن يغيب عن أذهاننا أن إنجلترا حاولت في العهد الأول من الاستعمار أن تفرق لتسود وهو المبدأ الروماني الشهير، سواء أكان في المستعمرات الأوروبية الجنس أم في المستعمرات الشرقية، ولكنها خشيت عاقبة البغضاء والفتنة فأخلصت مع أبناء جنسها واستمرت على خطتها الاستعمارية في المستعمرات الشرقية التي ادعت امتلاكها بحجة تمدينها.
الفصل السادس عشر
تاريخ الفرس ونهضتها
نهضة الأمة الإيرانية
لقد لفتت الفرس أنظار العالم المتحضر ولا سيما أهل الشرق في العصر الحديث، للمرة الأولى في أوائل القرن العشرين عندما منح الشاه الدستور لبلاده في سنة 1907 ثم استخلف ولده محمد علي واستحلفه أن يحافظ على تلك الأمانة للأمة.
ولما كانت للفرس علاقة عظمى بتاريخ الإسلام منذ نشأته الأولى إلى الآن، فقد آثرنا أن ننظر قليلا في تاريخ تلك البلاد معتمدين على جملة مراجع، منها ما كتبه ماكسمولر المستشرق الألماني وهيرودوت المؤرخ اليوناني والبارون جوبينو المؤرخ الفرنسي صاحب كتاب «الفلسفة والأديان في آسيا الوسطى» وما دونه الكاتب الأديب والشاعر الفاضل ميرزا رفيع مشكي والأستاذ العالم المغفور له إدوارد براون مؤلف كتاب «عام بين الفرس ».
هاجرت القبائل الآرية التي كانت نازلة قبل التاريخ حول «البامير»، فنزح أكثرها إلى أطراف الهند وإيران، وكانت أكثر القبائل النازحة إلى إيران نفوذا وقوة قبيلة بارسيان فقد نزلت في جنوب إيران في القسم الذي يسمى الآن فارس أو بارس، واتخذت مدينة «استخر» مستقرا لها وعاصمة سلطانها. وجاء الميديون فانتشروا في الغرب والشمال الغربي لإيران واتخذوا مدينة هاكاماتانا وهي المعروفة الآن باسم «همدان» عاصمة لملكهم، وانتشرت قبائل أخرى على شواطئ بحر الخزر، ثم باخترا وبلخ ثم أفغانستان وخوارزم وما عداها، وسموا أنفسهم أريان، واتخذوا لهذه الممالك اسم إيريانا، ومن ذلك يأتي اسمها الآن وهو «إيران» واسم أهلها إيرانيان.
وقد بدأ نفوذ البارسيان يقوى على من عداهم من مجاوريهم منذ سنة 550ق.م. حتى إن ملكهم كورش الأكبر تمكن من اجتياح بلاد الميديين فخلع سلطانهم إستياج وأسس سلطنة هخامنشي.
وقد انتشرت الديانة الزردشتية بين البارسيين أكثر من غيرهم، وقد عالجنا الزردشتية بإيجاز تحت عنوان «المجوسية والصابئة» في هذا الكتاب. وأحدث المعلومات تدل على أن زردشت كان من أهل آزربيجان وأن وفاته وقعت في أيام اجتياح البارسيين لبلاد الميديين، وقد انتشر مذهبه في بلخ عندما دخل كشتاسب في دينه، ومن بلخ انتشر هذا الدين في جميع أنحاء إيران وخصوصا فارس في مهد السلاطين الهخامنشيين. وإذن تكون كلمة بارسي التي تطلق على الفرس المهاجرين إلى الهند (ومعظمهم في بومباي) ليس معناها زردشتي، وأما كلمة مجوس الشائعة فأصلها بالفارسية «مغ»، ومعناها الحرفي أو اللغوي «حارس النار المقدسة»، وهي تطلق على المبشرين بالدين الزردشتي، فليس البارسي مجوسيا، وإذا قلنا سلمان الفارسي أو البارسي فليس معناها المجوسي بل معناها سلمان الذي أصله من بارس، أي من تلك القبيلة التي نزلت إلى جنوب إيران عند رحلة القبائل التي ذكرناها آنفا.
أما كلمة عجم فقد أطلقها العرب على كل أجنبي عرفوه، ولما كان احتكاكهم بالفرس أكثر من احتكاكهم بغيرهم من الأجانب فقد أطلقت كلمة عجم على الفرس مجازا من قبيل إطلاق اسم الكل على الجزء، ولا تزال كلمة العجمة معناها في العربية الإبهام أو الغرابة أو البعد عن العربية، وأهل الفرس لا يحبون أن يوصفوا بأنهم أعجام.
Bog aan la aqoon