Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
الفصل الحادي عشر
الاستعمار في الشرق وخطة فرنسا في تونس
رومة وإنجلترا
يوجد شبه شديد بين الرومان والإنجليز في طريقة استيلائهم على ممالك الشرق، وذلك في عدم مقاومة الممالك التي استولى عليها الرومان في أوروبا وآسيا، فإن الشعوب التي هاجمتها رومة كانت بحال من الضعف والاستسلام لا تمكنها من المقاومة، لأنها قضت قرونا عديدة في الجهاد في سبيل الاستقلال وقد فشلت، وما لقيت بعد الجهاد والعناد إلا الظلم والاستبداد والضيق، فجاءت رومة والبلاد المفتوحة منهوكة القوى فاستولت عليها بدون مقاومة. هل كان هذا من حسن حظ الرومان أو من بعد نظرهم وترقبهم الفرص لانتهازها؟ ولم تكن رومة في حاجة إلى استخدام عدد كبير من جنود الاحتلال، بل كان عدد تلك الجنود بمثابة قطرة الماء في المحيط.
وما أشبه حظ الإنجليز في الهند بحظ رومة في فتوحها القديمة! فإن الإنجليز استولوا على الهند بسهولة تامة بعد الدولة الموغولية، ولم يستخدم الإنجليز في الهند إلا بضع عشرات الألوف في بلاد أهلها يعدون بمئات الملايين، في حين أن هؤلاء الإنجليز أنفسهم احتاجوا إلى 450 ألف عسكري لتهدئة جمهورية البوير في أوائل هذا القرن في جنوب أفريقيا، وهم لم يجندوا خمس هذا العدد في القضاء على ثورة الهند التي قامت في سنة 1857.
وقد أسس الإنجليز شركة في 1600 وطلبوا من دولة الموغول في ذل وخضوع أن تمنحهم بعض الامتيازات الأجنبية أسوة بالبرتغال والهولنديين الذين سبقوهم، فمنحوا تلك الامتيازات في الربع الأول من القرن السابع عشر. وإلى أوائل القرن الثامن عشر لم يفكر الإنجليز في الفتوح لقوة دولة الموغول في نظرهم، ولكن موت الملك أوزنجرب أدى إلى انحلال الدولة وانقسام البلاد وظهور أمراء الطوائف والدويلات الصغيرة، فاستقل كل أمير وكل راجا وكل نواب بمملكته، فجاء دوبلكس الفرنسي إلى الهند واحتل بونديتشري وتلاه كليف ووارين هستنجز وكورنواليس وولزلي من قادة الإنجليز واختصموا مع الفرنسيين في الشرق كما اختصموا معهم في الغرب، وقد استولى الإنجليز على الهند بسكون وهدوء وبغير مقاومة، وكان ذلك مقدمة لتأسيس إمبراطوريتهم العظيمة التي تمتد على جميع بلاد الهند والسند والبنغال وبرمانيا وسيلان وتبلغ مياه المحيط الهندي جنوبا وجبال هيمالايا ونهر الأندوس شمالا.
فتوح الشرق والموغول
لقد قامت في الشرق فتوح متعاقبة من الشرقيين أنفسهم وأشهرها في التاريخ فتوح العرب ثم فتوح الموغول ثم فتوح الترك، وفي العهد الأخير بعض فتوح الجنس الأصفر (اليابان والصين). أما فتوح العرب فليس هذا مجالها لأنها مقترنة بفتوح الإسلام ولا يتسع المجال لبيان ملخصها وهي معروفة للجميع، وقد تخللت هذا الكتاب نبذ عنها. واشتهرت تلك الفتوح سواء أكانت في الشرق الأدنى أو الأوسط أو الأقصى بالرحمة والعدل ونشر العلوم والمعارف والتعاون مع الشعوب المغلوبة في سبيل الحياة والمدنية، وحيثما حل الإسلام كان قوة ممدنة مهذبة معينة.
أما فتوح الموغول فكانت بلاء على الأمم التي غلبتها، فإن هذه القبائل المتوحشة أو تلك الجماعات من الشياطين في شكل البشر لم يعرفوا الإنسانية حتى يرعوها ولم يفهموا العدل أو العلم حتى يعدلوا ويعلموا، ولا تزال أسماء جنكيز خان وتيمور لنك الأعرج وهولاكو تحمل الرعب في ثنايا أحرفها حتى لدى كتابتها أو قراءتها. فإن هؤلاء الأشرار الذين ذكرنا بعض أخبارهم قد كرهوا العلم واحتقروه إلى درجة أنهم في تركستان قصدوا إلى مدينة بخارى التي كانت مشتهرة بمكاتبها وثقافتها العلمية والدينية ومنها البخاري صاحب الحديث المشهور، فقد نزل الموغول بالبلد فذبحوا رجالها وأسروا نساءها وأطفالها (قتلوا الرجال واستبقوا النساء لمآربهم) وأحرقوا المدينة بكل ما فيها من ثروة وعلم وجعلوا الكتب القيمة وكلها مخطوطة طعاما للنار.
أما فتوح الترك فلم تكن من قبيل هذا الفتح، وكان للترك كرامة ودين وعقل وإن لم تكن لديهم مدنية عريقة، فهم إن فتحوا لا يحرقون المدن ولا يبيدون الشعوب ولا يسلمون الكتب طعاما للنار.
Bog aan la aqoon