Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
فإليك ثلاثة إخوة: محمد وجراح ومبارك.
محمد أمير الكويت بالميراث، وقد أشرك جراحا ليتقي شره وليأمن مغبة اتحاد جراح ومبارك ضده، وكان محمد ضعيفا وكان جراح صاحب النفوذ الأكبر في الحكم، وكان يحب المال ويدخره ويضن به على غيره.
كان مبارك طموحا للمجد، شديد البأس، حديد الطبع، ماضي العزيمة، متهوسا متسرعا في أعماله، عصبي المزاج، كثير التقلب فيه من أسد الغاب ومن الحرباء، له طبع بدوي وذوق حضري يجعله يميل تارة للعزلة وطورا للترف، يحبه عدوه حينا وحينا يخشاه، فيخلص له أولا ويداريه ثانيا، وصاحب مثل هذا الخلق يميل إلى النعومة في العيش ميله للمغامرة في الحياة، فهو يحتاج إلى المال لا ليكنزه كما يفعل أخوه جراح، بل لينفقه ويسرف فيه ويجود به، ولهذا كان محبوبا من العشائر يلتفون حوله ويقرون له بالزعامة.
ولكن محمدا الضعيف وجراحا البخيل لم يكونا من علماء النفس فلم يطلعا على خفايا عقله وقلبه.
لقد أراد مبارك أن يتسلى عن الملك بالغزوات فنزع إليها والتفت حوله العشائر فغدا في حاجة دائمة للمال لينفقه في الحروب، وكان أخواه محمد والجراح يبغضان ذلك، لا خشية تفوقه عليهما بل خوفا على المال الذي كان يطلبه دائما فكانا يضنان عليه بالنوال ويسيئان إليه وقد يمسكان عنه حتى نفقة بيته وعياله، فصبر مبارك على ذلك صبرا جميلا وكان حتى هذه اللحظة عاقلا وبصيرا، وكان صبره عليهما فضيلة ينبغي له أن يتمسك بها ليكون رجلا عظيما. وربما ظن مبارك أن أخويه محمدا وجراحا لم يكونا عثرة في سبيل مجده الشخصي بل في سبيل عظمة الكويت فنفد صبره، كما نفد صبر مكبث، وتحرك في نفسه شيطان الغدر والانتقام، وتخيل نفسه ملكا على البلاد، ولكن لا سبيل إلى الملك إلا بزوال محمد وجراح وهو عاجز عن إشهار الحرب عليهما.
جريمة مكبث تعيد نفسها
وأخيرا صحت عزيمته على الجريمة.
فنهض في ليلة من شهر ذي القعدة وهو من الأشهر الحرام ولكن السنة كانت سنة شؤم سنة 1313 للهجرة، ونهض معه ولده ودخلا على الرجلين وهما نائمان محمد وجراح واستل مبارك وولده سيفيهما، وذبح مبارك أخاه محمدا وأمر ابنه أن يذبح عمه جراحا.
وعند الصباح، صباح الجنايتين، لم يجن مبارك ولا ولده، وإن كانت الكويت قد ضجت لمقتل الرجلين، بل تمكن مبارك من إخضاع أهل الكويت فأذعنوا له إذعان الضعيف للقوي، وفر أولاد الذبيحين إلى البصرة فشكوا أمرهم إلى واليها التركي الفريق حمدي باشا، وعلم مبارك بمسعاهما فسبقهما إلى بغداد يلجأ إلى واليها رجب باشا، وكان رجب باشا أعظم شأنا من حمدي وأعلى مقاما، ومبارك يعرف أخلاق الترك لا سيما أخلاق الولاة في البلاد العربية، وهذه أمور يحسن فيها التلميح دون التصريح، فتمكن مبارك ويداه مخضبتان بالدماء من استمالة رجب إليه بواسطة بعض الرجال، وبعض الهدايا طبعا، وكتب رجب إلى القسطنطينية عاصمة الإسلام من ترك وعرب وعجم، يقول: «إن الحادث بسيط، وهو من الحوادث العادية المألوفة بين البدو، وخير للدولة أن لا تتدخل في الأمر لئلا يؤدي ذلك إلى تدخل الإنجليز ...»، ولعله يشير من طرف خفي إلى أن الإنجليز يحمون مباركا أو يشدون أزره ما دام قد قتل وغلب وملك ، وهم دائما يحبون هذا الصنف من الرجال، لأنهم يملكون زمامه ويقدرون على الانتفاع به ويتهددونه دائما بالقصاص لجريمته، وهكذا كان شأنهم مع سالم بن تويني حين قتل أباه فإنهم حموه إلى حين حتى امتصوه وأخذوا منه ما كانوا طامعين في أخذه ثم طردوه وجلبوا عمه الذي كان سجينا عندهم في الهند وسلموه زمام الملك.
بيد أن الإنجليز لم يكونوا غافلين ولم يكونوا نائمين ولم تكن أعينهم المبثوثة مغمضة ولا آذانهم المرهفة صماء، فقد سمعوا بالخبر واهتموا بالأمر. وكذلك لم يقصر أولاد القتيلين وهما في البصرة عن الالتجاء إلى قنصل إنجلترا في نفس الوقت الذي التجئوا فيه إلى الوالي حمدي باشا، وهم معذورون، لأن الموتور معذور، وصاحب الدم يستنصر أيا كان في سبيل الانتقام. ولم يكن هؤلاء الأولاد من الدهاء السياسي والوطنية الحارة بحيث يهدرون دم والديهم ليقال عنهم إنهم أهل شمم وإباء فلم يلجئوا للأجانب. وكان القنصل الإنجليزي في البصرة طويل الباع في الدسائس فنصر أولاد محمد وجراح على عمهم مبارك وسعى في سبيلهم وسبيل سياسة دولته في الخليج الفارسي سعيا حثيثا أرغم الدولة العثمانية على التخلي عن مبارك وتخييره بين عقوبات ثلاث تنطوي اثنتان منها على النفي: (1)
Bog aan la aqoon