Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
إن كبار الرجال فيها جنوا بالذهب وظهرت فضائح المصارف والوزراء، فمن أوستريك المالي الدجال إلى راوول بيريه وزير العدل، ومن شركة البريد الجوي إلى فلاندان وزير المال. ونحن في سنة 1931 نشهد في فرنسا فضائح أضخم من فضيحة بناما في أواخر القرن التاسع عشر.
وفي بلاد الشرق مثل هذا وأكثر، ولو أتيح كشف القناع عن بعض الحقائق في الشرق لرأينا من الرذائل والفضائح ما لا يقل عما يجري في فرنسا، إنما الشرق خلو من المجالس والصحافة الحرة، ولكن الداء واحد والجراح مسممة بالقيح، والقرح تنز سواء علمنا أم لم نعلم. وما منشأ تلك الأدواء إلا تسلط أفراد معدودين في بلاد الشرق الإسلامي، وهؤلاء الأفراد المعدودون خاضعون للطامع الأجنبي الذي يريد أن يفسد أخلاقهم ويشتري ذممهم ويخرب ضمائرهم ليكون تمكنه منهم أعظم، لأنهم إن شرفوا لا يخضعون له ولا يرضون نفوذه ولا يتآمرون معه على أممهم.
الطبقات في المشرق
إن العامي البسيط في الشرق شقي الشقاء كله، وهو في الغالب متدين ومؤمن، وتراه بعد أن خسر دنياه أو كاد ينتظر ثواب الآخرة، لأن الأديان علمته أنه إن فاته نصيبه في الأولى سيلقاه في الآخرة، وإن سكن في هذه كوخا فسيسكن في الأخرى قصورا، حيث يلقى غلمانا وحورا وخيرا كثيرا، وأن حظه مخطوط ومرسوم وليس له إلا ما هو مقسوم والمكتوب على الجبين تراه العيون. وقد ساعد علماء الرسوم على ترسيخ هذه الأفكار في ذهنه، وساعدوا على تخديره حتى إنه بدلا من سعيه وراء خيرات هذه الدنيا أو مناضلته عن بعض منافعه تراه قد زهد فيها مقدما وصارت آماله معقودة على ما سوف يناله بعد موته، فأصبح المثل الأعلى معكوسا، وذاك الذي يجب أن ينال في هذه الحياة تأجل إلى أجل غير مسمى إلى ما وراء القبر، إلى بعد الموت! ...
ولكن هذا الحلم اللذيذ قد طال، والأجيال تترى ووراءها القرون، وذلك المخلوق (الإنسان) وهو أفضل الكائنات على هذه الأرض لم يتذوق طعم السعادة، وقد ظهر له أن الشيطان قد شاد للأشرار في هذه الدنيا قصورا وملأها بالطيبات والأنوار ومظاهر الرفاهية، وأنه وهو الرجل الطيب الصابر لا يزال هو وأولاده وأحفاده وامرأته وبناته ينتظرون.
ولم يصل إلى يده شيء على الحساب مما هو موعود به، بل إن هؤلاء الذين يصبرونه ويخدرونه من طائفة علماء الرسوم ومشايخ طريقة «بكرة تشوف» متنعمون في هذه الحياة الدنيا وقد جعلوا منها جنة مثل دار الخلد التي يصفون ؛ فدهشه الأمر وأيقظه، لماذا هم لا ينتظرون مثله وقد قبضوا كثيرا من حساب الآخرة، ولعلهم استنفدوا كل حسابهم؟ وإذا كانوا هم العالمون الواثقون لم يصبروا فأحر به وهو الجاهل الذي يتلقى عنهم أن لا يصبر وأن يلح ولو قليلا في طلب دفعة من النعيم على الحساب ... بل لعله وهو ينتظر الجزاء يتنبه فجأة فإذا هو جائع وإذا داره خالية وديونه متراكمة وصاحب الدين يبيع أثاث غرفته ويشلح عنه ثوبه الممزق، فتجوع امرأته وأولاده معه ولا يجد قوت يومه، وإذا لجأ إلى ذلك الذي كان يعلمه الصبر ويقول له غدا ترى ما ينتظرك، أعرض عنه ولوى وجهه، وإن كان محتاجا فقد يتحكم فيه المالك ويطرده كما طرد أبوه آدم من الجنة فخرج منها بلا ثوب ولا درهم، وإن هو مات وخلف وراءه أولادا وزوجة فلهم الشقاء من بعده، فما أعظم الفرق بين تهذيب الروح وحقائق الحياة! ما أعظم الفرق بين الرجاء في المستقبل والأمر الواقع اليوم ... الساعة!
يعيش فقيرا ويموت فقيرا في العراء، وإن كانت أوروبا دبرت لفقرائها جيش الخلاص (ما أفظع اسمه ونظامه!) وملاجئ العمل
Workhouse
على ما فيها من شقاء وعار وهوان وبلاء؛ فإن الشرق لم يصل إلى هذه الدرجة من الإحسان مع كل ما جاء في كتبه المنزلة وآدابه من الحث على الزكاة والإحسان والصدقة، ومع هذا فلماذا تمنع الصدقة والإحسان والزكاة ما دام الله أمر بها؟ ولكل إنسان نصيب في الحياة يجب أن يناله. إن الفقر مرض اجتماعي وحالة يجب شفاء المجتمع من أعراضها.
عليك بالعلم والاجتهاد والاستنارة وطلب المزيد من فهم الأشياء على حقيقتها واكتساب التجربة والاختبار وتحقيق الأشياء بنفسك، تلك أسباب النجاة أمامك فاتبعها!
Bog aan la aqoon