178

Nolosha Bariga

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Noocyada

ولكن الطبقتين العاليتين تمسكتا بوجوب النظام البالي وبقاء القديم على قدمه، وأن كل فرد يقف عند حده، وأن المساواة تؤدي إلى انهيار العظمة الموروثة فتنهار حياة الشعب، وأن تقسيم الشعب طبقات سنة من سنن الكون من خالفها انحط إلى الدرك الأسفل.

وبالجملة قام بينهما نزاع كالذي قام في أول عهد رومة بين الباتريسيان والبلبيان وأدى إلى ثورة البلبيان وهجرتهم من المدينة.

وعلى مبادئ الديمقراطية أو المساواة أسس الضعفاء جمعية الإصلاح والإرشاد بجاوة وصاروا يعرفون بالإرشاديين، كما أن خصومهم يعرفون بالعلويين أو الأشراف أو السادة، وتراهم حزبين متناظرين بل عدوين متحاربين. وقد يخطئ الضعفاء المنضمون إلى جمعية الإرشاد إذا ظنوا أنفسهم في مستوى واحد مع غيرهم من أهل الفضل وأنكروا على الناس فضلهم، ويخطئ السادة العلويون إذا أرادوا المتاجرة بمجد الأجداد فيدوسون على رقاب الناس لمجرد المجد التالد والشرف القديم، وأغرب من ذلك أنهم يريدون أن يكونوا مقدمين على أرباب الفضائل والتقوى ممن ليس لأجدادهم مجد. وهناك فريق ثالث من العرب بقي بمعزل عن الخصمين، رأى الفتنة مشتعلة فابتعد عنها واتقى نارها، وقد سعى فريق في الوفاق والوئام فآب بالخيبة والفشل.

1

هذه هي حال الحضارمة في الجزائر الشرقية. وقد بلغنا ممن زار هذه البلاد أن أحد أهل الطبقة الثانية بلغت ثروته اثني عشر مليون روبية، فخطب إحدى بنات السادة العلويين فرفض طلبه فاستفتى أحد العلماء فأفتى بجواز الزواج عند رضاء الأهل، فقامت قيامة الطبقة كلها وحدثت حوادث عظيمة الشأن وأنفقت أموال طائلة في هذا السبيل وتضاءلت مأساة روميو وجوليت بجانب هذه المأساة القومية فإن الرفيع يتزوج بنت الوضيع ولكن الوضيع لا يتطلع إلى نسب الطبقة العليا. وكلما نشب خلاف اشترى كل فريق أسلحة وذخيرة وأرسل بها إلى «الوطن القومي» ليتحارب أتباع كل فريق مع أتباع الفريق الآخر. يختلف المهاجرون فيما بينهم في الجزر الشرقية وأهلهم وعشائرهم وقبائلهم تسوي الحساب فيما بينها في صحراء العرب فتأمل!

وقد مضى على الحضارمة في جاوه نحو 400 سنة، وفتح أهل جاوه للحضارمة منازلهم وصناديقهم وزوجات الحضارمة كلهن جاويات وليس في منزل أحد من أهل جاوه سيدة عربية حتى ولا بنت صباغ، وهذه كبرياء من الحضارمة وتنفيذ لمذهبهم القائل بأن الرفيع يتزوج من بنت الوضيع ولكن ليس لهذا أن يتطلع إلى مصاهرته، فهم أيضا ينظرون بعين المقت والاحتقار لأهل البلاد الأصلاء.

وحب هؤلاء الحضارمة للمال عجيب فهم يكنزونه ويقولون إنه ذخر الدنيا والآخرة ويتمثلون بقول الشاعر الفارسي:

أيها المال! لست ربا معبودا

ولكنك قاضي الحاجات وستار العيوب!

فتراهم يقتلون أنفسهم للحصول على الدرهم والدينار لسجنهما مع أمثالهما في ظلمات الخزائن والصناديق أو في جوارب سوداء حالكة كعجائز فرنسا، حتى إذا ما مات الرجل تقاسمها أولاده الجهلاء فبذروها ومزقوها في أنواع الملاهي والفساد. ومع ما هم عليه من الثروة الطائلة لم يتبرع هؤلاء العرب المهاجرون في الشرق الأقصى بشيء من المال لإصلاح جاليتهم، فلم يؤسسوا مدرسة ولا مستشفى ولا دارا لضيافة الغرباء بل غرسوا بذور الشقاق والبغضاء.

Bog aan la aqoon