147

Nolosha Bariga

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Noocyada

ثورة العراق في رأي جرترود بل

كان العراق يعاني ما يعاني في الداخل وهو متصل بالأقطار العربية اتصالا فعليا سواء بالصحافة أو بالأخبار المنقولة في البريد والبرق، فعلم بما جرى في سورية وفي مصر وتأثر العراقيون بالثورة المصرية تأثرا شديدا، وما زالت مراجل الوطنية تغلي فيه حتى هب بثورته. وكان في العراق امرأة إنجليزية اسمها الآنسة جرترود بل وصفها بعضهم بأنها أفعى العراق وقد قضت نحبها منذ بضع سنين، كانت هذه المرأة المسترجلة كاتبة أسرار المندوب السامي وتعمل عمل الرجال وتكاد لا تعد امرأة، وكانت رئيسة القلم الشرقي في دار الانتداب وكانت عالمة نشيطة حصيفة وفيها نزعة إلى الشرق والعرب تغلبت على كل مطامعها وأمانيها، جاءت إلى الشرق طالبة علم وسائحة فآخت العربان مثل ما فعلت قبلها لادي ستانهوب، ولكن اختلاف الأجيال والأزمان يغير الأوضاع. وقد حطت رحالها في بغداد فكانت معينة لرجال الحرب والسياسة، وكانت تعلم عن العراق ما لا يعلمه سواها، وهي تجيد الكلام بالعربية ويغلب عليها الميل السياسي وهي تعتمد على عقلها ومنطقها، وطريقتها في الإيقاع بالزعماء طريقة ماكياڤيلية قديمة وذلك أنها تقدم الهدية فإذا رفضت الهدية قدمت السجل وفيه تاريخ حياتك منذ دببت ودرجت إلى يومنا هذا! وفي هذا من التهديد والبطش ما فيه.

تقول ميس جرترود بل إن الثورة العراقية ترجع إلى أسباب عدة، منها: وعود الحلفاء، وقيام الحكومة العربية في سورية، ووعود ويلسون، والثورة المصرية.

وأراد جمهور العراقيين في بغداد والكاظمية والنجف وكربلاء وفيهم المفكرون وعلماء الدين أن ينشئوا حكومة عربية مستقلة يرأسها أحد أنجال الملك حسين وكان الأمير عبد الله هو المقصود بالذات، وبدأ العراقيون يرفعون العرائض ويصدرون الفتاوى وبدأ الإنجليز يعتقلون بعض الأحرار وينفون البعض الآخر. ومن هؤلاء جماعة لم تنطل عليهم حيلة المجالس البلدية، لأن هذه الحيلة تنطوي على ما هو أشد فتكا بالحرية فإن الإنجليز يلحقونها بنظرية إعداد الأمم للحكم الذاتي وأن البلاد في حاجة إلى رجال من ذوي الخبرة والمعونة من الأجانب، ويحتاجون إلى زمن طويل لتدريب الوطنيين على أصول الإدارة الحديثة، والمعلوم لدى الشعوب المستقلة أن الحصول على الاستقلال التام والحكم النيابي منوط بتربية الشعب وتدرجه في مراقي الحكم الذاتي والاستقلال الإداري.

وهذا يا عم أمور يطول شرحها وقد عاناها أهل الهند وأهل مصر.

وقد تأسست جمعية العهد العراقي وكان ياسين باشا الهاشمي يدير دفتها لمدة عام، وياسين باشا يعد من أبطال الشرق العربي وقد يعد بحق زعيم العراق، وكان تارة في الحكم وطورا في المعارضة، وقد ألف في سنة 1931 حزب الإخاء لمعارضة وزارة نوري السعيد باشا واستقال من عضوية مجلس النواب مع لفيف من أنصاره ليحرج مركز الحكومة. وقد تخرج في المدارس الحربية العثمانية واشترك في الحرب العظمى وأبلى فيها بلاء حسنا، وكان يجهر بآرائه ضد الانتداب، فدعته يوما زوجة أحد قواد الإنجليز إلى حفلة شاي ومن هناك ساقوه إلى المنفى في فلسطين، أي إنهم خطفوه غدرا باسم دعوة من سيدة، فأقيمت المظاهرات في دمشق ورفعت الاحتجاجات إلى بلاد الإنجليز وانتهى الأمر بإطلاقه فاستقبل استقبالا فخما، وقد تولى الوزارة في بغداد مرات بعضها رئيسا وبعضها وزيرا، وهو بلا ريب من أكبر رجال العراق إن لم يكن أكبرهم.

وفي 8 آذار 1920 أعلن المؤتمر العراقي استقلال العراق في دار بلدية دمشق وتعيين الأمير عبد الله ملكا عليه، وأعلن سمو الأمير زيد نائبا عن أخيه الملك عبد الله.

وتألفت جمعية حرس الاستقلال العراقي السرية، وغايتها الاستقلال المطلق بأقصى ما يمكن من التدابير مشتركة مع الجمعيات والأحزاب الأخرى، ولا يجوز للجمعية الاعتماد على إنجلترا في طلب المعونة الفنية. وحدث انشقاق في بغداد بين رجال جمعية العهد ورجال جمعية الحرس، ومن أهم رجال هذه الأخيرة علي البزركان ورفعت الجادرجي وجميل المدفعي وغيرهم، ومما يؤسف له أن بعض هؤلاء قبلوا وظائف حكومية وتخلوا عن العمل السياسي بسببها وقنعوا بالمنصب والمرتب كأنهما الغاية التي كانوا يسعون إليها.

وعندئذ بدأت السلطة الإنجليزية تتعرض لحرية الاجتماع، فنشر القائد ساندر وهو القائد العام للجيوش المحتلة بالعراق منشورا ختمه بقوله: «فلهذا وجب علينا أن نعلن أن انعقاد المواليد ممنوع، وأن انعقاد الاجتماعات لمقاصد سياسية يعرض القائمين بها لأشد العقاب.»

ثم بدأ المفاوضات فدعا السير ويلسون ومعه وزير العدلية السير بونهام كارتر (صهر ونسيب اسكويث) والكولونيل بلفور لفيفا من الأحرار والوطنيين العراقيين، وأخذ سير ويلسون «يبلفهم» البلف الإنجليزي المشهور فذكر عصبة الأمم وتحرير الشعوب الرازحة تحت نير الاستبداد التركي، وأن حكومة جلالة مولاه الملك تريد تأسيس حكومة وطنية في العراق بأقرب فرصة، وأن العراق كان تحت حكم أجنبي أكثر من 200 سنة، ومهما سلمت النيات فلا يمكن تأسيس حكومة وطنية في لحظة، واحمدوا الله على أن العراق لم يتأثر بويلات الحرب. فلما ذكروه بمؤتمر سان ريمو أجاب:

Bog aan la aqoon