137

Nolosha Bariga

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Noocyada

تعود الإنجليز أنهم إذا حكموا بلادا شرقية قلبوا عليها صنوف الحكام من عمالهم الحربيين والملكيين بين قاس ولين وفظ وظريف ومتكبر ومتواضع، فيصحح أحدهم أغلاط الآخر ويستغفر الخلف للسلف، والأمم المظلومة المغلوبة على أمرها تلعن الجميع.

ولم تكن العراق لتشذ عن هذه القاعدة، فقد عينوا لها ويلسون الذي عرف بالشدة وقوة الشكيمة والرياء حتى يبطش بها في الفترة الأولى بعد أن يعجم عودها.

ثم رموها ببرسي كوكس وهو داهية البحرين، الذي جاس خلال تلك الأقطار وعرف لغة القوم ولهجاتهم ووقف على تاريخ أمرائهم ودسائس الحكومات المختلفة من عجم وعرب. وقد عينته وزارة الخارجية بعد أن أدركت أن الثورة قد ضعفت ودخلت العراق الجريحة الغضوب في دور الاستكانة والاستسلام، وهي فترة لم يعد يصلح لها ويلسون رجل الشدة والاصطدام، وبعبارة أخرى جاء برسي كوكس في الوقت الذي بدأ الإنجليز فيه يشتغلون بتأليف الوزارات القومية، أي المكونة من رجال من أهل العراق يعملون بأوامر الاحتلال أو قل الانتداب وهو الاسم الأخير الذي وضعوه للاستعمار. وبعد أن كان ويلسون يدعو شيخ الشريعة للمفاوضة وهي إحدى طرق التسوية في الثورات التي تعد نوعا من الحرب، طلب كوكس من مشايخ العشائر أن يبلغوا ما في أذهانهم من سوء التفاهم إلى أقرب حاكم سياسي في ناحيتهم.

وشتان بين الحالتين! ولذا يرى بعض المؤرخين لقضية العراق أن الثوار وعلى رأسهم شيخ الشريعة قد فرطوا في الفرصة التي منحهم إياها ويلسون، والحقيقة أن شيخ الشريعة لم يفرط في شيء، لأن ويلسون لم يكن أشد إخلاصا من كوكس، غير أن شيخ الشريعة أحسن في التمسك بموقف الكرامة والشمم.

وعلى كل فإن الثورة كانت قد قطعت شوطها فسلم معظم زعماء العرب بعد هذا المنشور الذي نشره كوكس في 26 تشرين الأول سنة 1920، ومن بقي من الثوار استعملت معه بريطانيا سياسة الطيارات ومن كان يسلم تلزمه بتقديم السلاح والذخيرة، ولا غرابة فإن إنجلترا فقدت ألوفا مؤلفة من ضباطها وجنودها الإنجليز والهنود بين قتلى وجرحى وأسرى ومفقودين، وكان العرب يعاملون الأسرى والجرحى بغاية الشفقة والحنان.

كان الملك فيصل قد خرج من سورية بعد موقعة ميسلون أو أثناءها طاعة لأمر الحلفاء، وهو مبغوض من الفرنسويين ومحبوب من الإنجليز أو على الأقل والإنجليز يغضون عنه الطرف ويتمنون بقاءه في سورية، وإن كانوا في الظاهر قد اشتركوا مع فرنسا في التصريح باعتبار قرارات مؤتمر دمشق باطلة، ولكن السياسة الإنجليزية كعادتها تعمل بوجهين فكانت وزارة الخارجية تمالئ فرنسا في عدم الاعتراف بصحة اختيار فيصل ملكا على سورية وبعض كبار الساسة البريطانيين يوعزون إلى نوري السعيد باشا الذي أوفده فيصل ليجس نبض السياسة الأوروبية أن إنجلترا تعطف على حكومة دمشق وتنوي أن تمد لها يد المساعدة، وليس على هذا القول غبار بعد أن عركت إنجلترا بعض الأمراء وعجمت عوده وعرفته هادئا وديعا مطيعا إبان تلك الثورة التي كان بطلها لورنس، وكان مثل هذا الأمير بلا ريب يكون سدا منيعا بمملكته بين إنجلترا وبين مطامع فرنسا في الشرق.

فلما برح فيصل دمشق على ما فصلناه في بضعة أماكن من هذا الكتاب، كان معه لفيف من حاشيته من أهل العراق وأهل سورية وبعضهم لا يزال معه حتى الآن 1931، ولكنهم في تلك الساعة كانوا الباشوات جعفر العسكري ونوري السعيد وعبد الرحمن شهبندر وساطع الحصري، وهو الذي ذكرنا خبر سفره إلى الأستانة بخصوص مسألة الحلف العربي في ربيع سنة 1931. وسافر فيصل إلى إيطاليا وسويسرا ولندن وتفاوض مع حكومتها في أمر توليه عرش العراق ما دامت مغامرة دمشق لم تفلح، ولا بد أن لورنس وأنصار لورنس لا سيما تشرشل الذي كان يعول على لورنس كل التعويل وجورج لويد وهو صديق الاثنين قد بذلوا قصارى جهدهم في إبلاغ فيصل غاية ما يتمنى بعد إساءة كلمنصو إليه، فإن هذا الرجل رفض مقابلة فيصل واعتبره عدوا وخارجا على حكومة الجمهورية.

ولكن هذه «الثلة» أو الكليك من الإنجليز الشبان الاستعماريين يعتبرون فيصلا رجلهم الذي ساعدهم في ثورة العرب فلا يجوز أن يتخلوا عنه، وهم يعلمون أن إنجلترا قد نقضت عهودها لأبيه المنقذ الأعظم، وضربتان في رأس تشجانها، فيكفي نقض العهود وضياع حلم دولة العرب المستقلة من حدود البحرين إلى المحيط الأطلنطي، وقد أسفر هذا الحلم عن كونه سرابا.

كلمة جامعة للملك فيصل

وكانت الأسرة الشريفية قد اقتسمت ممالك العالم العربي، وكان الأمير عبد الله يتمنى عرش العباسيين ويطمع أن يجلس في موضع الرشيد والمأمون، وقد قويت الفكرة في رأسه بعد أن قنع فيصل بالشام، ولكن بعد زوال ملك الشام من يد الأسرة تغير المركز نوعا ما فهل يليق تزاحم الأخين على عرش العراق؟

Bog aan la aqoon