Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
وأمريكا أو جمهورية الولايات المتحدة واقفة موقفا مريبا، فهي تميل إلى إلغاء ديون الحرب التي تئن منها ألمانيا بعد أن ثبت عجزها عن الدفع، ولكنها لا تستطيع المجاهرة برأيها أو الظهور في الميدان الدولي بمظهر الحكم والمسيطر، لئلا تلقى من الخيبة والسخرية ما يعد جوابا صريحا وردا بليغا على سياسة ويلسون الخادعة المخدوعة.
وتكاد الهند تلتهب عقيب عودة غاندي من إنجلترا بعد فشل مؤتمر المنضدة المستديرة للمرة الثانية.
ومن الأمور التي حدثت أثناء طبع هذا الكتاب فشل مؤتمر المنضدة المستديرة المذكور وعودة غاندي إلى الهند واعتقاله بعد يومين من عودته ولما يسترح من وعثاء السفر ولما يجف مداد مقالات الإعجاب التي دبجتها أقلام كتاب الإنجليز، فكان لاعتقاله ضجة عظيمة واحتج العالم المتحضر، ولا سيما أن الرجل لم يتحول عن إعلان نصحه لشعبه وكل الشعوب المغلوبة بالمسالمة وعدم العنف والمقاومة السلبية التي تقنع الخصم ولا تؤذيه، فوقعت بسبب اعتقاله معارك ومواقع كان اتقاؤها خيرا وأولى، فنحن نعرب عن إعجابنا بغاندي ونعجب بحبه السلام وعدم العنف ونرسل إليه تحيتنا وندعو له ولوطنه بالنجاح! ويسوءنا أن يبقى المسلمون من الهنود بمعزل عن الجهاد السلمي الشريف في سبيل الحرية، فإن الهند ليست وطنا للهندوكيين وحدهم بل إنها وطن للجميع، وقد سرنا انتخاب أبي الكلام زعيما.
الآن تكاد حركة العالم تقف بعد أن وقف فعلا دولاب الحياة الاقتصادية في معظم أنحاء العالم، وأصبح العاطلون من عمال العالم يعدون بالملايين في الشرق والغرب حتى شرعت الحكومة المصرية نفسها تحصي العاطلين، وليس العطل في عصرنا كالعطل فيما مضى، لأن معناه الآن الموت جوعا وبردا في العراء!
فالقوت الضروري غير موجود عند معظم العاطلين، والثوب الذي يستر العورة نعمة كانت ثم زالت، مما يجعل الحياة الإنسانية أقسى منها في أي عصر سابق.
والسبب الجوهري في هذه الحال التي يئن منها العالم انقسام الإنسانية إلى شطرين: الشطر الأول هو أوروبا والشطر الثاني هو الشرق. وأوروبا تريد اغتيال الشرق واستغلاله والقضاء على مصادر الحياة فيه وتسخيره لأغراضها حتى في محاربة أعدائها - ولو كانوا من الأوروبيين أنفسهم - وفي قهر أهل الشرق من سكان المستعمرات، كما صنعت إنجلترا وفرنسا وإيطاليا أثناء الحرب وبعدها.
وبيان ذلك أن الشرق بدأ منذ خمسين عاما يتنبه من غفلته ويستيقظ بعد طول الرقاد، وأصبح الشرق يرى لنفسه الحق في الحياة، أصبح الشرق بأممه وشعوبه وأفراده وحكوماته يريد الحياة الحرة والسعادة المادية والمساواة بينه وبين أمم الغرب. وأصبح الشرقي بعد وقوفه على خفايا السياسة الأوروبية التي فضحتها الحرب العظمى لا يرى لأحد من أهل أوروبا حقا في التسلط على بلاده مباشرة أو بالواسطة. وأصبحت العلوم والمبادئ والفلسفة ملكا مشاعا للجميع، وليس في خزائن الغرب أسرار خفية ولا مخبآت غامضة حتى ولا المعاهدات السرية التي كانت غايتها التواطؤ بين ممالك أوروبا على اغتيال الشرق واللعب بمقدراته، فقد نشرت كلها على الملأ وأصبحت خبرا مذاعا.
وكان الفضل الأول في نهضة الشرق لليابان، فإن تلك الدولة الفتية أو بلاد «الشمس المشرقة» قد فاجأت العالم بيقظتها وقوتها وقدرتها على هضم الحضارة الحديثة، مع التمسك بوطنيتها وجنسيتها ومعتقداتها. وما أبلغ ما قاله الأمير شكيب أرسلان في كتاب منشور في مجلة الكويت والعراقي التي تصدر في بوتنزورخ من أعمال إندونيسيا (العدد الرابع الصادر في غرة شعبان سنة 1350)! قال الأمير:
رائحة التفرنج تؤذيني، فالتفرنج لا يفيد شيئا، والتعلم غير التفرنج، واليابانيون تعلموا وبقوا يابانيين بجميع عواطفهم وأطوارهم وأوضاعهم. والإسلام قوة معنوية عظيمة لا حد لها، ليس لنا الآن غيرها في وجه القوتين الهائلتين ...
ولم تنشر المجلة بقية الجملة، ولعل الأمير يقصد بالقوتين الهائلتين أوروبا والاستعمار أو الاستعمار والمسيحية.
Bog aan la aqoon