Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
لقد أحببنا العرب من صميم أفئدتنا، وقد عزمنا على أن نعطيهم أخانا ليرقد بينهم.
وإنها في الوقت نفسه عاطفة تكريم جليلة للفقيد، فإنه طبعا كان يجد مرقدا كريما في وطنه وكان قبره يكون كعبة للقاصدين من مقدريه من المسلمين والهندوس، ولكن مثواه في جوار المسجد الأقصى إحدى الكعبتين ومهبط الوحي حيث قبة الصخرة وحيث مربط البراق الذي دافع عنه في حياته؛ لأمر ينطوي على أجمل الرموز وأسماها. وقد وفق السيد المفتي في إيجاد الفكرة وتنفيذها، كما وفق إلى المكان الجميل الذي جادت به أسرة الخطيب من أوقافها.
وقد فطن فحول اليهود إلى خطورة هذه الفكرة، فاحتجوا واعترضوا وأرسلوا برقيات المقاومة إلى سادتهم الإنجليز الذين أعطوهم وعد بلفور، ثم رأوا أن صوتهم قد غرق في الزوبعة ولم يعد مسموعا، فرأوا أن يتقهقروا وهم يتقنون التقهقر عند اللزوم، فلزموا الصمت أولا ثم أخذوا يرسلون برسائل التعزية لمولاه شوكت علي، عملا بالمثل المنسوب للأتراك «اليد التي لا تملك قطعها قبلها».
وهكذا مثلوا أيضا في هذه الفاجعة الإسلامية دورا دنيئا لا يصدر عن قوم يريدون المسالمة.
ترجمة حاله
وقد كان تاريخ حياة محمد علي وأخيه شوكت ... الله في أجله تاريخ كل مجاهد مستنير في الشرق المستعمر المغلوب على أمره، فإن الشاب الشرقي يولد وينمو فيتعلم ويتيقظ فيرى الويلات المنصبة على وطنه ويرى الهوة التي تفصل بينه وبين أصدقائه من قومه الممالئين لأعدائه فيقاطعهم ويناصبونه العداء، ثم إذا كبر شأنه ناوأته السلطة الأجنبية وضيقت عليه الخناق، فإذا سنحت الفرصة شنقته أو نفته من وطنه أو سجنته وهذا أضعف العذاب فيقضي الأعوام في غيابة السجن معتل الصحة أو مشرفا على الهلاك وأهله وبنو قومه الذين يدافع عنهم لا يحركون ساكنا في سبيل خلاصه إلى أن يموت، فيذهب من هذا العالم بعد أن ذاق مرارة العيش ولم تكتحل عينه برؤية وطنه في بحبوحة الحرية أو في هناء الاستقلال.
هذه حوادث تتكرر منذ نهض هذا الشرق البائس، تتكرر في جميع أنحائه سواء في ذلك الشرق العربي أو التركي الإسلامي أو الوثني، ولكن كان نصيب المسلمين من البلاء والعذاب أعظم لأن بلواهم مزدوجة، فالزعيم الإسلامي أو المصلح الإسلامي يجاهد جهادا ضد أعداء وطنه وآخر ضد أعداء دينه.
وهكذا كانت حياة المرحوم محمد علي الذي قضى وهو لا يزال كهلا في العقد الخامس من عمره ولا يزال أقرانه في أكسفورد على قيد الحياة وعلى أتم ما يكون من الصحة والعافية، ولكن جهاده هو أضناه وأضعفه وحياة السجن سبع سنين أدنت أجله.
أما ترجمته فهو من أكبر السلالات الإسلامية في الهند ذات التاريخ الحافل بالمفاخر. وقد ولد في ولاية رامبور وكان أبوه يومئذ يشغل وظيفة عالية في الحكومة وذلك في 1878، فقد مات إذن في الثانية والخمسين من عمره. وقد توفي والده وهو طفل فكفلته أمه التي كانوا يسمونها «أم الهنود» لأنها أنجبت ولدين اشتركا في خدمة الإسلام والهند أعظم خدمة وكانت تخطب في الجماهير وتحثهم على النهضة، وكلما سجن أحد ولديها أو كلاهما معا فرحت وشجعتهما وجعلتهما نموذجا وقدوة لغيرهما من أبناء الهند، ويلوح لي أنني قرأت في إحدى الصحف خبر اعتقالها حينا أو تهديد السلطة لها في إبان اشتداد الثورة. ولما ماتت الأم منذ بضع سنين كان لوفاتها رنة أسى في جميع أنحاء الهند ورثيت من جميع الخطباء ورجال السياسة في شتى المحافل والمجامع، اعترافا بفضلها وفضل ولديها على الهند والعالم الإسلامي.
وكانت الأم امرأة فاضلة ورعة، ويرجع الفضل إليها فيما شب عليه الفقيد الشهيد من الورع والتقوى والغيرة الدينية والوطنية.
Bog aan la aqoon