قال برفق: «إنك ترين نفسك أفضل من أن تعمدي.» «كلا، لا أظن هذا.» «إنك ترين أنك أفضل من أي شيء، من أي أحد منا.» «كلا.» «إذن فلتعمدي!» قالها ودفعني تحت الماء مباشرة على حين غرة، فرفعت نفسي من تحت سطح الماء أبصق من فمي وأنفي. «المرة القادمة لن أتركك بهذه السهولة! سأبقيك تحت الماء حتى تقولي إنك ستعمدين! قولي إنك ستعمدين! أو سأعمدك أنا رغما عنك ...»
دفعني تحت الماء مرة أخرى لكن هذه المرة كنت مستعدة له فكتمت نفسي وقاومته، قاومته بقوة وبشكل طبيعي كأي شخص يرغم على البقاء تحت الماء، دون أن أفكر كثيرا في من كان يمسك بي. لكنه عندما تركني أرفع رأسي مدة كافية كي أسمعه يقول: «الآن قولي أنك ستفعلينها.» رأيت وجهه غارقا بالماء الذي رششته عليه وشعرت بالدهشة، ليس لأنني أتعارك مع جارنيت وإنما لأن أي شخص قد يرتكب مثل هذا الخطأ؛ خطأ أن يظن أن له سيطرة علي. كنت مندهشة بقوة حتى إنني نسيت مشاعر الغضب، نسيت مشاعر الخوف، فكرت أنه من المستحيل ألا يكون قد فهم أن كل السلطة التي منحتها إياه كانت مجرد تمثيلية، هو نفسه كان تمثيلية، وأنني كنت أنوي أن أبقيه يلعب دور الحبيب الذهبي للأبد، حتى لو كنت قد حدثته قبل خمس دقائق فقط عن الزواج منه. كنت أرى هذا واضحا وضوح الشمس في النهار؛ لذا فقد هممت أن أقول له ما يجعل هذا واضحا بالنسبة له أيضا، ولكني رأيت أنه يعرفه مسبقا. لكن ما كان يعرفه هو أنني كنت أقابل عروضه المحمودة بعروضي المخادعة، سواء أكنت أعرف هذا أم لا، كنت أقابل نواياه الصادقة بما أحمله من عقد وأداء تمثيلي. «إنك تظنين نفسك أفضل من هذا.» «إذن قولي إنك ستفعلينها.» كان وجهه الداكن الودود الكتوم قد مزق ملامحه الغضب الشديد وشعوره العاجز بالإهانة. شعرت بالخزي لإهانتي له، لكن كان علي أن أتمسك بها لأنها كانت تمثل اختلافاتي، تحفظاتي، كانت حياتي. كنت أتخيله يركل ذاك الرجل أمام حانة بورترفيلد مرارا، ظننت أنني أريد أن أعرف المزيد عنه لكنني في الحقيقة لم أشأ هذا، لم أكن في الحقيقة أريد أسراره أو عنفه أو حتى أريده هو خارج سياق هذه اللعبة الغريبة السحرية، والتي قد تكون مميتة، كما اتضح لي الآن.
هب أنك حلمت ذات مرة أنك تقفز بإرادتك في حفرة وأخذت تضحك بينما يلقي الناس عليك عشبا ناعما لطيفا، إلى أن تدرك بعد أن يغطي العشب وجهك وعينيك أن الأمر ليس لعبة على الإطلاق، أو إذا كان لعبة، فإنها لعبة تتطلب أن يتم دفنك حيا. قاومت تحت الماء كما سيقاوم أي أحد يمر بحلم كهذا، بشعور يأس لم يباغتني على الفور، وإنما أخذ يشق طريقه إلي عبر طبقات من الارتياب. لقد ظننت مع هذا أنه قد يغرقني، ظننت هذا بحق، وظننت أنني أقاتل دفاعا عن حياتي.
عندما تركني أصعد فوق الماء مرة أخرى حاول أن يجري عملية التعميد بالوضع المعروف، بأن جعلني أنحني إلى الخلف من عند خاصرتي وكان هذا خطأ منه؛ فقد استطعت أن أركله أسفل بطنه - ليس في أعضائه التناسلية رغم أنني لم أبال بهذا فلم أعرف أي جزء منه كنت أركل ولم أبال - وكانت هذه الركلات كافية لأن تجعله يفقد اتزانه بعض الشيء ويفلتني مما مكنني من الهرب. ما إن صارت تفصلنا عن بعضنا مسافة ياردة حتى تبدى لنا سخف عراكنا والرعب الذي ينطوي عليه ولم يكن من الممكن أن نستكمله، لم يلاحقني، فمشيت بتؤدة واطمئنان خارجة من الماء الذي لم يكن في هذا الوقت من السنة يجاوز ارتفاع إبطي. كنت أرتجف وألهث وأستنشق الهواء بشغف.
ارتديت ثيابي على الفور داخل الشاحنة وأنا أواجه صعوبة في إدخال ساقي في سروالي القصير، وحاولت أن أكتم أنفاسي كي أثبت وأنجح في إغلاق أزرار قميصي.
ناداني جارنيت: «سأوصلك إلى منزلك.» «أريد أن أمشي.» «سآتي لأصطحبك مساء الإثنين.»
لم أجبه وافترضت أنه يقول هذا بدافع المجاملة؛ فهو لن يأتي. لو كنا أكبر سنا لكنا بقينا وتفاوضنا حول كلفة التوصل لحل وسط، ثم أخذنا نشرح المواقف ونبرر الأمور وربما سامحنا بعضنا، وحملنا معنا هذا الأمر إلى مستقبلنا، لكننا كنا أقرب إلى الطفولة، فكنا نؤمن بالجدية المطلقة لبعض الشجارات وأنها قد تخط سطور النهاية، وعدم إمكانية التسامح مع بعض الضربات. لقد رأى كل منا في الآخر ما لم يكن يحتمل، ولم نكن نعرف أن الآخرين يرون هذا ويستمرون، وأنهم يكرهون بعضهم ويتشاجرون بل ويحاولون قتل بعضهم - بسبل عدة - ثم يزدادون حبا بعضهم لبعض.
شرعت أمشي على طول الطريق الفرعي الذي يقود إلى الطريق الرئيسي، وبعد برهة جعلني المشي أكثر هدوءا وأكثر قوة فلم تعد ساقاي واهنتين. مشيت عبر المنطقة الثالثة التي كانت تؤدي إلى طريق المقبرة. كان أمامي ما يقرب من ثلاثة أميال ونصف لأقطعها.
مشيت عبر المقابر، وكان الظلام قد بدأ يحل. كان الجو في شهر أغسطس بعيدا عن منتصف الصيف بالضبط مثل شهر أبريل، وهي حقيقة كنت دائما أجد صعوبة في تذكرها. رأيت صبيا وفتاة - لم أستطع أن أميز من هما - يرقدان على العشب المقلم بالقرب من ضريح موندي، الذي كنت قد كتبت على جدرانه الإسمنتية القاتمة أنا وناعومي من قبل نقشا على الضريح، ارتجلناه ورأينا أنه شرير ومضحك للغاية، لكنني لم أعد أذكره جيدا:
هنا ترقد أجساد كثير من آل موندي
Bog aan la aqoon