وتطورت السياسة المصرية، وتخلى زيور عن الحكم، وعادت حكومة الشعب يؤيدها برلمان سعد، وعكف نواب الأمة على تراث الحكومة الماضية يفتشون عن أخطائه، وما يزال في آذانهم صدى يرن عما كان من أمر الجامعة وأمر طه حسين، فأبدى البرلمان رغبته في محاكمته، وقال النواب: نحن نريد ... وقالت الحكومة: وأنا لا أريد، وتشاد عدلي رئيس الحكومة وسعد رئيس النواب، فهبت زوبعة، ونشأت ضجة، وحدثت أزمة وزارية، ولوح عدلي بالاستقالة ، وأصر سعد على وجوب تنفيذ رأي الأمة، وتعقدت المشكلة ...
وسعى الوسطاء بالصلح بين الزعيمين، فما كان الحل إلا أن يتقدم النائب عبد الحميد البنان
4
بشكواه إلى النيابة العمومية، فتسقط التبعة عن الحكومة، وينفذ رأي الأمة، ثم تسير القضية إلى غايتها أمام القضاء، وكان بعد ذلك ما كان.
وإذا كان انضمام الجامعة إلى وزارة المعارف عملا من أعمال وزير المعارف، فإن ما ثار حول الجامعة بسبب الدكتور طه حسين قد دعا نائبا أو نوابا إلى اقتراح محاكمة علي ماهر بما فعل للجامعة، وبما غير من نظام التعليم العام من غير أن يكون ذلك من حقه الدستوري ... ولكنه ظل اقتراحا لغير التنفيذ. •••
ليست كل هذه الحوادث من تأليف الرافعي، ولكنها شيء يتصل بتاريخه وله فيه أثر أي أثر، فلولا ما كان من الخصومة بين الرافعي وطه، لما قامت هذه الضجة، ولا ثارت هذه الثائرة، ولما كان في التاريخ الأدبي أو السياسي لهذه الحقبة شيء مما كان.
على أن هذه المعركة قد خلفت لنا شيئا أغلى وأمتع، ذلك هو كتاب «المعركة تحت راية القرآن»، وهو جماع رأي الرافعي في القديم والجديد.
وهو أسلوب في النقد، سنتحدث عنه بعد. •••
وقد ظلت الخصومة قائمة بين الرافعي وطه إلى آخر أيامه، بل أحسبها ستظل قائمة ما بقيت العربية وبقي تاريخ الأدب، فما هي خصومة بين شخص وشخص تنتهي بنهايتهما، بل هي خصومة بين مذهب ومذهب سيظل الصراع بينهما أبدا ما دام في العربية حياة وقدرة على البقاء.
وما أعرف أن الرافعي وجد فرصة ليغمز طه في أدبه، أو وجد طه سانحة لينال من الرافعي في فنه ومذهبه، إلا أفرغ كل منهما ما في جعبته، وكم مقال من مقالات طه حسين قرأه علي الرافعي، فقال: اسمع، إنه يعنيني، وكم مقال أملاه علي الرافعي أو قرأته له فوجدت فيه شيئا أعرف من يعنيه به، ومرة أو مرتين قال الأستاذ الزيات صاحب الرسالة للرافعي: أرجو أن تعدل في أسلوب هذا المقال - مما ينشر في الرسالة - فإني لا أحب أن يظن طه أنك تعنيه بشيء تنشره في الرسالة وعلي تبعته عنده.
Bog aan la aqoon