الرافعي
ترى ماذا كتبت إليه صاحبته بعدما قرأت رسائل الأحزان، فأثارت نفسه بعد هدأتها وردته من الغيظ والحنق إلى أن يقول: «يا هذه، لا أدري ما تقولين، ولكن الحقيقة التي أعرفها أن نفس المرأة إذا اتسخت كان كلامها في حاجة إلى أن يغسل بالماء والصابون وهيهات ...!» ويقول: «يجب على المدارس حين تعلم الفتاة كيف تتكلم أن تعلمها أيضا كيف تسكت عن بعض كلامها.»
من لي بأن أعرف ما كان وقع رسائل الأحزان في نفسها وما ردت به؟
إنه يتحدث في السحاب الأحمر عن التهمة والظنون، والكلام الذي لا يغسله الماء والصابون، والنجمة الهاوية، وخداع النظر في الحب، وفساد الرأي في الهوى، وطيش القلب في الاستسلام، ثم ... ثم يحاول أن يعتذر ...!
هنا الحلقة المفقودة في تاريخ هذا الحب، فلست أدعي المعرفة، ولقد كنت مع الرافعي مرة في مكتبه وبيننا السحاب الأحمر يقرأ لي بعض فصوله، فأشرت إليه عند فقرة من الكلام ليجيبني عن سؤال يكشف عن شيء من خبرها ومن خبره، فوضع الكتاب إلى جانبه وحدق في طويلا ثم سكت وسبحت خواطره إلى عالم بعيد، وراحت أصابعه تعبث بما على المكتب من أشيائه، ثم قال: «أرأيت القلم الذي تراءى لي السحاب الأحمر في نصابه بين عيني والمصباح ...؟» ثم دس يده في درج المكتب فأخرجه ودفعه إلي وهو يقول: «ضع النصاب بين عينيك والمصباح وانظر، ألست ترى سحابا يترقرق بالدم كأن قلبا جريحا ينزف؟ في شعاعة هذا النور تراءت لي هذه الخواطر تقرؤها في السحاب الأحمر ...»
ثم عاد إلى الصمت ولم أعد إلى السؤال ... •••
أحسب أن الرافعي حين أنشأ السحاب الأحمر كان في حالة عصبية قلقة لست أعرف مأتاها ومردها، ولكن فصول الكتاب تتحدث عن خبرها في شيء من الغموض والإبهام.
لقد أنشأ الرافعي رسائل الأحزان؛ ليكون رسالة إليها يتحدث فيها عن حبه وآلامه، ولست أشك أن صاحبته حين تأدت إليها رسائله قد فهمت ما يعنيه وعرفت ذات صدره، وأحسبها - وهي الأديبة الشاعرة - قد سرها أن تكون هي فلك الوحي لما في رسائل الأحزان من كل معنى جميل، أفتراها قد بدا لها أن تهيجه بالدلال والإغراء وقسوة العتب وتصنع الغضب، لتفتنه وتزيده وحيا وشعرا وحكمة ...؟
إن كانت هذه رسالتها إليه فما أراها قد بلغت بها إلا أن هاجت كبرياءه وأثارت نفسه، فكتب كتابه ولكن لغير ما أرادت وما قصدت إليه ... •••
يقوم السحاب الأحمر على سبب واحد، حول فلسفة البغض، وطيش الحب، ولؤم المرأة ...
Bog aan la aqoon