ثم عاد إلى نفسه يؤامرها فأطرق من حياء ... وكانت خطرة عابرة من خطرات الهوى أطافت به لحظة وما عادت، وقالت له نفسه كلاما وقال لنفسه كلاما آخر، فكأنما انكشفت له أشياء لم يكن يراها من قبل بعيني العاشق، فلم تكد القصة تبلغ نهايتها وتنحل العقدة، حتى جاءت كبرياؤه لتخط الخاتمة ...
وراح الرافعي يوما إلى ميعاده، وكان في مجلسها شاعر
7
جلست إليه تحدثه ويحدثها، ودخل الرافعي فوقفت له حتى جلس، ثم عادت إلى شاعرها لتتم حديثا بدأته، وجلس الرافعي مستريبا ينظر، وأبطأت به الوحدة، وثقل عليه أن تكون لغيره أحوج ما يكون إليها، ونظر إلى نفسه وإلى صاحبه، وقالت له نفسه: «ما أنت هنا وهي لا توليك من عنايتها بعض ما تولي الضيف ...؟» فاحمر وجهه وغلى دمه، ورمى إليها نظرة أو نظرتين، ثم وقف واتخذ طريقه إلى الباب ... واستمهلته فما تلبث، وكتب إليها كتاب القطيعة ...!
وعاد إليه البريد برسالتها تعتذر وتعتب وتجدد الحب في أسطر ثلاثة، ولكن الرافعي حين وجد كبرياءه نسي حبه، وكان هو الفراق الأخير ...!
كان ذلك في سنة 1923.
وثابت إليه نفسه رويدا رويدا، وخلا إلى خواطره وأشجانه ليكتب رسائل الأحزان!
ومضت ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة، لم يلتقيا وجها لوجه، إلا مرة في حفل أدبي في طنطا، فما كانت إلا نظرة وجوابها، ثم فر أحدهما من الميدان وخلف الآخر ينتظر ...
8
على أن الرافعي لم ينس صاحبته قط، وعاش ما عاش بعد ذلك وما تبرح خاطره لحظة، وما يأنس إلى صديق حتى يتحدث إليه فيما كان بينه وبين «فلانة»
Bog aan la aqoon