فهيا مهدوا للمجد هيا
وتساءل الأدباء بينهم: لماذا مدت اللجنة الأجل المضروب؟ فلم يلبثوا أن جاءهم الجواب الصريح، فعرفوا أن اللجنة لم تفعلها إلا حرصا على أن يكون النشيد المختار من نظم شوقي ...
عندئذ نجمت ثورة أدبية حامية، وتمرد الأدباء على اللجنة وحكم اللجنة، وهل كان لهم أن يطمئنوا إلى عدالتها وقد ذاع الحكم قبل موعد الفصل في القضية؟
وكان الرافعي على رأس الثائرين، فأنشأ بضع مقالات في «الأخبار»، وللأخبار يومئذ مذهبها السياسي، وكاتبها الأول هو المرحوم أمين الرافعي، فسحب الرافعي نشيده من اللجنة قبل أن يسمع الحكم فيه، وراح يعلنها ثورة صاخبة على اللجنة وأعضاء اللجنة، وعلى شوقي وأنصار شوقي وقال في نشيده ما يقال وما لا يقال، وتابعه جمهرة من الأدباء، فكتب المازني والعقاد في «الديوان»، وكتب غير المازني والعقاد، وشوقي - رحمه الله - رجل كان - على فضله ومكانته وعلى منزلته في الشعر - ضيق الصدر بالنقد والناقدين، فمن هذا كان بينه وبين الرافعي شيء من يومئذ، إن لم يكن من قبل يوم نشر الرافعي مقاله في «الثريا» عن شعراء العصر في سنة 1905، فما التقيا من بعد حتى لقيا الله، على أن أحدا من أدباء العربية لم ينصف شوقي بعد موته أو يكتب عنه مثل ما كتب الرافعي عن شوقي في مقتطف ديسمبر سنة 1932، وهو نموذج من الأدب الوصفي أحسبه نادر المثال فيما يكتب الكتاب عن الأدباء المعاصرين. •••
ومضت لجنة المباراة في طريقها غير آبهة لما يقال، ومضى الرافعي في ثورته، ثم لم يلبث أن جمع لجنة غير اللجنة، من أصدقائه وصفوته والآخذين عنه؛ لتنظر في نشيد الرافعي وحده.
وأصدرت اللجنة الأصيلة حكمها، فكان الفائز الأول هو شوقي، وفاز من بعده الهراوي وعبد الرحمن صدقي، وأعلنت اللجنة الأخرى أن نشيد الرافعي هو النشيد القومي المصري ... وسبقت بين المغنين جائزة؛ ليصنعوا لحنا لنشيد الرافعي:
إلى العلا إلى العلا بني الوطن
إلى العلا كل فتاة وفتى
وفاز الموسيقار الكبير الأستاذ منصور عوض بالسبق إلى اللحن والجائزة!
ليس من همي هنا أن أوازن بين نشيدي شوقي والرافعي، فقد مات نشيد الرافعي «إلى العلا ...» بعد أن سبقه نشيد شوقي إلى الموت بعشر سنوات، ولم تجد كل المحاولات في بعثه ونشره ... وإذا كان لي أن أقول شيئا هنا في الفرق بين النشيدين، فهو أن أصف كيف كان استقبال الناس لنشيد الرافعي واحتفائهم به في كل مكان، وكيف كان نشيد شوقي.
Bog aan la aqoon