وقد صحبته مرة إلى زيارة أسرة الآنسة «ق» وهي فتاة ذكية من أهل الفن والأدب، وقد ألح علي يومئذ إلحاحا شديدا أن أصحبه، ولم أكن أعلم ما يقصد إليه بهذه الزيارة إلا أن تكون تسلية بريئة ومتاعا من متاع أهل الفن.
وكنت في ذلك اليوم صانعا أغنية عامية في معنى من معاني الشباب تعبر عن حال من حالي في تلك الفترة، ودفعتها إلى الرافعي لينظر فيها، فلما قرأها طواها وجعلها في جيبه ... ... وصحبت الرافعي إلى حيث يريد، فاستقبلتنا الفتاة وأمها وشاب من قرابتها، ثم لم يكد يستقر بنا المجلس، وأهل الدار حافون بنا يبالغون في إكرامنا، حتى أخرج الرافعي الورقة من جيبه فدفعها إلى الفتاة ...
وقرأت الفتاة الأغنية، ثم ردتها إلى الرافعي وهي تقول: «جميلة! شعر عاشق !»
قال الرافعي وهو يشير إلي مبتسما : «إنها أغنيته!»
قالت: «إيه ...! أعاشق هو؟»
قال الرافعي: «نعم! ... ومن أجلك صنع هذه الأغنية!»
ومضت فترة صمت، وصبغت حمرة الخجل وجه الفتاة، وتولتني الدهشة مما سمعت فما استطعت الكلام، ونظر الرافعي إلي نظرة طويلة لم أفهمها، وكان بي من الحياء أضعاف ما بالفتاة ... وكانت دعابة غير مألوفة ولا منتظرة، أوقعتني في كثير من الحيرة والارتباك ...
وقطعت الأم هذا الصمت الثقيل قائلة: «أغنية رقيقة!»
وردد الشاب صدى صوتها يقول: «... رقيقة!»
وثبت في مكاني لا أتحرك، ولا أرى أمامي غير تلك الابتسامة الخبيثة على شفتي الرافعي ...
Bog aan la aqoon