شر مدبر وخير مقبل.
وكان المدير الخلف «مقبل باشا» الذي اشتهر بعد ذلك في مناصب الإدارة.
بين الموت والحياة
كنت رقيبا على الصحافة
كان نصيب التدريس من عملي في سنوات الحرب العالمية الأولى أكبر من نصيب الصحافة، وكانت علاقتي بالصحافة قليلة متقطعة، ولكنها - على ذلك - كانت متعددة منوعة؛ لأنني اتصلت فيها بألوان من الكتابة الصحفية لم أعرفها قبل ذلك، وما لم أعرفه منها عملا واختبارا فقد عرفته وصفا ونظرا، واطلعت على طرف من أسراره وأخباره عن كثب، فكتبت إلى المجلات الشهرية والصحف الأسبوعية، واشتغلت بالصحافة اليومية في غير القاهرة، وقمت على رقابة الصحف أياما معدودة، وندبت «للمراسلة الحربية» في صحراء سيناء، وكدت أن أحيط بالدائرة الصحفية من مراكزها إلى زواياها ونواحيها.
وتشاء الحوادث أن أشتغل بالرقابة على الصحافة، وهي من أبغض الأعمال إلى نفسي وإلى فكري، وتشاء هذه الحوادث أن أهنئ نفسي بالخيبة فيها بعد أيام، فلم أحمد الله على نجاح كما حمدته على هذه الخيبة الموفقة ...!
كانت لي صداقة أدبية بالمغفور له «جعفر والي باشا» وكيل وزارة الداخلية في أيام الحرب العالمية الأولى، وكان من الأدباء «القانونيين الإداريين» الذين يجالسون أحيانا «عثمان فهمي بك»، الذي كان مديرا لأسوان، فمديرا لقنا، فوكيلا للخاصة الملكية، ثم خرج من الخاصة الملكية مغضوبا عليه في عهد الملك أحمد فؤاد، محالا إلى المعاش قبل أوانه؛ لأنه لم يحسن أن يشترك في إدارة الخاصة على الطريقة التي يرضاها صاحب الجلالة! •••
وكان حديث جعفر والي معي في الأدب يكاد ينحصر في المفاضلة بين أبي تمام والمتنبي، فإنه كان يفضل أبا تمام ويفرغ لنسخ ديوانه بخطه، ويملأ حواشيه بالتعليقات والملاحظات التي توافق مشربه في تفضيله، وكنت أنا تلميذا للمعري في هذه الخصلة كما كنت تلميذه في خصال خلقية أو فكرية شتى، وأعني بها خصلة «التعصب» للمتنبي، وقلة الصبر على القدح فيه والانتقاص من أدبه ... أما الأستاذ «عثمان فهمي بك»، فقد كان كلامه في العلميات والفلسفيات أكثر من كلامه في الموضوعات الأدبية، وكان يناصرني أحيانا في تفضيل المتنبي من الوجهة الفكرية، ولكنه يناصر وكيل الوزارة في حملته على «نفخة» الشاعر الكذابة، مع تعرضه للرفت والسؤال، مما يخالف أصول البلاغة على قوله، وهي مراعاة مقتضى الحال، أو المقال حسب المقام!
وعلم «جعفر باشا» أنني أبحث عن عمل في القاهرة؛ لأن حالة «الكبد» عندي لا تسمح بقضاء الصيف في أسوان، وعلمت منه مرة أن الرؤساء الإنجليز يفاتحونه بضيقهم الشديد من مشكلة الرقابة على الصحف العربية، وأنهم يكادون يحملونه تبعة هذه المشكلة؛ لأنه أحق الناس أن يعرف كيف يختار للرقابة أناسا من الأدباء المصريين يصلحون لها، ولا يسيئون فهمها.
وقال لي ذات مرة: إن «يوسف خلاط بك» مدير المطبوعات على حد تعبيره «في ثياب ضيقة» ... ولكنه هو يخشى أن يلبسه القوم هذه الثياب.
Bog aan la aqoon