ومثل هذه الترجمة فيما أظن معهودة في كل محاولة ناشئة قبل أن تستقر على قرارها، فلا يزال الناشئ يتمنى شيئا بعد شيء، ويجهل ما يتمناه حتى يثبت فيه على القرار الأخير ... ويومئذ يعلم أنها كانت جميعا أمنية واحدة في باطنها، وأنه كان بينه وبين نفسه في هرب ولقاء كأنهما في طراد البحث والاستخفاء.
أول مجلة
وأحسبني حتى الساعة لم أبلغ من معرفة الباعث الصحفي في نفسي مبلغ اليقين الجازم الذي لا رجعة فيه، ولكنني على يقين جازم من أنني أنشأت صحيفة في طفولتي الباكرة، وأنني لم أنشئها قبل أن أطلع على ودائع دولاب المنظرة في بيتي، وأكثر ما فيه صحف أسبوعية أو شهرية قديمة، وأكثر هذه الصحف القديمة من مجلات عبد الله نديم، وليس بينها أكثر عددا ولا أكبر حظوة عندي يومذاك من مجلة «الأستاذ».
ودولاب المنظرة مستودع عزيز يعرفه أبناء الريف، ولا تخلو منظرة في بلدة ريفية من دولاب منه على الأقل، يفرغ في جوف الحائط، ويقام عليه باب بمفتاح أو بغير مفتاح، ويغلب أن يكون بغير مفتاح؛ لأن الودائع التي يحرص عليها أصحابها لا تودع في المناظر على متناول الداخل الغريب.
وعلى تعداد الصحف في دولاب المنظرة عندنا لم تكن بينها صحيفة أبرع في العناوين من صحف عبد الله نديم، وكان هذا الصحفي المطبوع أستاذ زمانه، بل لعله أستاذ من أساتذة العناوين في كل زمان ...
من عناوينه عنوان «كان ويكون» للترجمة، وعنوان «التنكيت والتبكيت» لاسم صحيفة، وعنوان «المسامير» لكتاب هجاء، وعناوين أخرى بهذه البراعة لعشرات من الفصول والأخبار.
معارضة النديم!
ولفتتني العناوين البارعة فقرأت كل ما وجدته من صحف النديم، ووجدتني ذات يوم أقطع الورق قطعا على قدر المجلة، وأعمد إلى مكان العنوان منها، فأكتبه بخطي متأنقا، وأعارض عنوان «الأستاذ» بعنوان «التلميذ».
أما المقالة الافتتاحية فقد كانت أيضا من قبيل المعارضة لمقالة من أشهر المقالات، التي تردد صداها زمنا في البيئات المصرية، وهي المقالة التي جعل عنوانها «لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا»، وافتتح بها الجزء الثاني والعشرين من السنة الأولى.
فكتبت مقالي الافتتاحي وجعلت عنوانه «لو كنا مثلكم ما فعلنا فعلكم».
Bog aan la aqoon