ومضت سنوات وأنا لا أعلم مصير كتبي في معتقلها المهجور، إلى أن لقيت الأستاذ عبد العزيز الصدر عرضا، فأنبأني أن جيرانه في حدائق القبة عرضوا عليه تلك الكتب فاشتراها، وأنه على استعداد لردها لي بثمنها إذا أردتها، فشكرته وقلت له: إنني لا أحتاج إليها، ولكنني قد أستردها بثمنها إذا اتسع لها مكان عندي، ولم يتسع لها - بعد - مكان ...
بين الأمل واليأس
وصلت إلى أسوان كالساهر الذي طوى الليالي وصالا بغير راحة، ثم ركن بجنبه لحظة واحدة إلى طرف الفراش.
إنه في سهرته يواصل الحركة ولا يبالي متى يرقد ليستريح، ولكنه يرقد لحظة واحدة فلا يدري متى هو قادر على النهوض.
كنت أجور على جسدي ولا أعرف لهذا الجور حدودا يرجع عنها؛ لأن تلك الحدود لم تصدمني قط بصخرة من صخورها، ولا بحاجز من حواجزها ...
وكنت أحضر ندوة الزملاء عند ميدان المديرية بالزقازيق، ثم أعبر المدينة في ليالي الشتاء إلى مسكني على حافة كفر الصيادين ... فلا أكترث للمطر ولا للبرد، ولا ألبس المعطف، ولا أحمله تخففا من مؤنة حمله على الذراع، وهو معلق في حجرة الدار يعلوه الغبار ...
وكنت أقضي اليوم في حدائق القبة على وجبة واحدة من الخبز والجبن، أو من الخبز والفول، ولا يخطر لي أن إهمال الغذاء ضرر أذكره لحظة بعد ذهاب الجوع.
وكنت أفتح الكتاب الجديد، فيروقني ما قرأته فيه، فلا ألقيه من يدي حتى أفرغ منه آخر الليل، ولا ضياء في البيت غير شمعة أو مصباح ذي فتيل ...
وكنت أحسب أن سفرتي إلى أسوان ضرورة ألجأتني إليها قلة «المصروف» في القاهرة، فلما وصلت إلى أسوان علمت أنها ضرورة ما في ذلك جدال ... ولكنها ضرورة الإفلاس في ذخيرة البنية وأعصابها، وليست بضرورة الإفلاس في ذخيرة الجيب! ...
وقد وقع في خلدي أنني أزداد نشاطا في بلدتي؛ لأنها مصحة للجسم ومصحة للنفس بين الأقرباء والأعزاء، فعجبت بعد أيام حين رأيتني أفقد النشاط لأيسر الأعمال، وكنت أحسبه تيارا متجددا لا يقبل النفاد ...
Bog aan la aqoon